Über diesen Kurs
محتوى الدورة:
أهداف الدورة:
ميزات الدورة:
Kommentare (0)
دينٌ واحد واتجاهَات عقديّة وفقهيّة مُتعددة.
تفريغ نصي الفاضلة: ( أمْجاد عَبد العال).
تصحيح الأخت الفاضلة سلمى آل حمود
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2018
العنوان الأول: الدين الواحدْ إذ لا بُد أن نقرر هذا المعنى: من أنّ الجَامع الذي يجمع أمة الإسلام هو دين الإسلام، ودين الإسلام يرتكز على ثلاثة أضلاع، وهذه الأضلاع موجودة في كل المذاهب. الضلعْ الأول: الإيمان بالله عز وجل وهو التوحيد، الضلع الثاني: الإيمان بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله. والضلعْ الثالث: هو الإيمان بيوم القيامة والمعاد. هذه الأضلاع الثلاثة، هذا المثلث الذي يشكل جوهر الدين بل جوهر الأديان السماوية، وقد ذكرنا في سنة مضت، عند حديثنا عن قصة الديانات: أنّ الَعناصر المشتركة في العقائد في كل الديانات هي هذه الثلاثة: الإيمان بالله، والإيمان بالنبي المرسل لهؤلاء القوم، والثالثة: الإيمان بيوم القيامة وما يحصل فيه من جزاء ومجازاة
هذا أيضاً بالنسبة إلى الإسلام وبالنّسبة إلى مذاهبه. فلا يوجد أحد ينطبق عليّه عُنوان: المسلم، إلا وهُو يؤمن بهَذه الأضْلاع الثلاثة ولا يمكن أنْ يَنطبق عليه هذا العنوان لو أخل بواحد منها. والحمد لله، فكل المذاهب الإسلامية - ولا سيما التي لها أتباع في هذا الزمان - هي مؤمنة بهذه الأضلاع الثلاثة فهي على دين واحد.
وأعود لكي أكررْ ما سَبق أنْ قلته وهو: أننا نجْد من المُتطرفين في كلتا الطائفتين من يقول هذا دين الشيعة، أو هذا دين السنة، وهذا كلام باطل لا أصلَ له. فالدين واحد، وهُو لله عزّ وجلْ. وجَميع أبناءْ المذاهبْ يُؤمنون بهَذه الأضْلاع الثلاثة فيْ الجملة، وهو مُحقق للدين والإيمان
فأحياناً تأتيْ وتقولْ: أنْ هُناك اختلاف في صفاتْ الله وفي الإيمان بهَا وفي طريقتها، واختلاف في الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وآله وحُدود عصمته وعلمه وتشريعه، واختلاف فيْ الإيمان بيوم القيامة. فهذا مَوجودْ حتى في داخل المذهب الواحد، فهناك نظريات وآراء. لكن هذا لا يخدش أنْ يكون أتباع المَذهب الواحد ولا أتباع المذاهبْ المُختلفة أبناء دين واحد. هذا العنوان الأول.
العنوان الثاني: طائفتان، فرقتان، جَماعتان رئيسيتانْ، لا ريبْ أنّ الأمّة بَحسب تاريخُها وبحسب واقعها المعاصر، تنقسم إلى قسمين، من يُطلق عليهم أهل السنة أو أتباع مدرسة الخلفاء، ومن يطلق عليهم شيعة أهل البيت أو الشيعة بشكل عام. وأعظم هؤلاء وأوضحهم، الإمامية أو الجعفرية. فما هو الشيء الذي يقسم بين هذين الفريقين؟
هُناك اجْتهادات لا ترجعْ إلى دقة، مثل: أن يقول لماذا هذا شيعيْ؟ وهذا سُني؟ ما هو جوهر الخلاف؟ فيأتي لك بمسائل فقهية. فيقول لك مثلا: هذا يؤمن بالتَّقِيَة، وذاك لا يؤمن بالتَّقِيَّة، أو التُقْيَة، حسب تعبير بعضهم. هذا يؤمن بالنكاح المنقطع: المُتعة، وذاك لا يؤمن. هذا يؤمن - مثلاً - بالجمعْ بين الصلاتين، وذاك لا يؤمن بالجمع بين الصلاتين، وعلى هذا المعدل. هذا رأيه في الصحابة بشكل، وذاك بشكل آخر. وهذه كلها ليست فارقاً أساسياً؛ لأننا وجدنا – مثلاً - من أبناء السنة، بحسب التصنيف، من يقبل النكاح المنقطع ويعتبره شرعياً ويدافع عنه. مثل: عبد الله بن عمر الذي كان يُنكر على أبيه منع ذلك. فهل هذا يعني أنه انضم إلى هذه الفئة؟ وهناك من يؤمن بالجمع بين الصلوات، وهناك وهناك.
فما هُو الفارقْ الرئيس؟ الفارق الأساسْ والرئيسْ هُو هذا أيها الأحباب: أنّ المرجعية الدينية للشيعة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم علي بن أبي طالبْ وأبناؤه عليهمْ السلامْ. بينما المرجعيّة الدينية لأهل السنة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) هم صحابة النبي وعلى وجه الخصوص الخلفاء. ومن ذلك تكونتْ المدارس الفقهية، ومن ذلك حصلت كل الاختلافات.
الجوهر الأساسي هو هذا: أن الشيعة يعتقدون بأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يترُك الأمة بلا وصيّة وبلا إمام وبلا تعيين طريق، والطريق كان قد عُيِّن في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم فيْ أبنائه من بعده. أما غير الشيعة فيقولون: النبي لم يوص، والذي حصل هو: الحالة الطبيعية. الأمة اختارتْ لنفسها عدداً من أصحابْ رسول الله ووفقت في ذلك، والأمور كانت طبيعية و لم يحصل أي شيء خلافا للدين ولا خلافا لإرادة رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فهل هُناك مرجعيّة دينية لعليّ وأبنائه أو أنّ المرجعية الدينية هي بعد النبي لأصحابْ رسول الله، وبالذات للخلفاء؟ لو هذان الطرفان اتفقا عليها، لحُلَّت كل المشاكل
أيّ لو أن أهل السنة قبلوا بمرجعية عليّ وأبنائه، لانتهت المشكلة. ولو أنّ الشيعة قبلوا بمرجعية الخلفاء والصّحابة دون علي وأولاده، لانتهت المشكلة، وأما باقي الاختلافات، فهي: اختلافات فرعية وتفصيلية ناشئة من هذا الخلاف الجَوهري والرئيسي. فإذن هناك طائفتان، فئتان، الذي يفرقهما هو هذا الذي ذكرنا. ولكن يجمعهما الإطار الأصلي، وهو إطار: الدين الواحد، والأمة الواحدة، " إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" سورة الأنبياء آية 92
ثلاث مدارس عقدية أو كلاميّة، قد نشير إليها فيما بعد. أما الآن، فعلى سَبيل العرض السريع فقط. وهي: أنّه تكونت فيما بعد ثلاثة مدارسْ كلاميّة وعقائدية ترتبط في قسم منها بالنظر إلى صفات الله عز وجل. فنحنُ إذا أتينا وآمنا بالله باعتبار أن هذا هو الضلعْ الأول للإسلام، فالله سُبحانه وتعالى، ما هي صفاته؟ ما هي أفعاله؟ هل يمكن أن يُرى أو لا يمكن؟ يُرى في الدينا، أو في الآخرة، أو لا في هذا ولا في ذاك؟ هل العدل بالنسبة له هو القانون، أو فعله هو العدل؟ هل أنه يفعل على طبق العدل؟ جعل على نفسه أن لا يفعل إلا عدلاً، أو لا عكس ذلك؟ هل كل شيء يفعله هو العَدل حتى لو كان بنظرنا ليسَ مطابقاً لموازين العدل؟ الموجود عند الإمامية: فكرة العدل الإلهي، وأيضاً عند المعتزلة.
فمن هذا وأمثاله: الإنسانْ نفسه، حُدود اختياره، حدود إرادته، كيف هُو في أعماله؟ هل هو مسير؟ أو هو مخير؟ هل أفعاله مخلوقة بالكامل له؟ أو مخلوقة لله ....
أرضيّة نشوء المَذاهبْ في الإسلام
تفريغ نصيْ الفاضلة / أمْجاد عبد العالْ
تصحيح الفاضلة سلمى آل حمود
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2019
تكوّنْ المذاهبْ في الدياناتْ.
فنتحدث أولاً بشكل عام حول تكون المذاهبْ في الدياناتْ. ويرجع الباحثون أسباب وأرضيّة نشوء المذاهب إلى عدة أمور.
الأمر الأول: ما يرتبط بكميّة العلم التي يَحصل عليهَا الفئة القريبة من نبيْ ذلك الدينْ، اختلاف هؤلاء، تلامذة النبي، أصحاب النبي، الدائرة القريبة من النبي، اختلاف تلقيهم للمعلومات، وكمية أخذهم للمعارف يَجعل لهَؤلاء توجهات وآراء مختلفة.
لو جئنا مثلا إلى الحَالة الإسلامية، منْ الواضح أنّ أصحاب النبي صَلوات الله وسلامُه عليه وعلى أهل بيته اختلفوا في تلقيهم العلم عن النبيْ، فوُجد بينهم مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي تكرر الحديث منه في أنّه أخذ العلم من رسول الله بقدر لمْ يأخذه غير علي ولا مثله. "سلوني عن طرق السماوات، فما من آية نزلت في ليل ولا نهار إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ومتى نزلت ومن أرادت"(2)، أو "علّمني رسول الله ألفَ باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب"(3)، وأمثال ذلك. هذا نموذج وهُناك نماذج من أصحاب رسول الله (صَلى الله عليّه و آله) ربما لم يتيسر لهم أن يحفظوا مائة حَديث عن النبي(صَلى الله عليّه و آله).
بطبيعة الحال، عندما يختط علي لنفسه طريقاً، وهو مُزود بهذا المقدار العظيم من العلم، سيختلف عن طريق ذلك الصحابي الذي رَوى عن النبيْ أو سمعَ عن النبي 100 حديثْ أو 50 حديثاً. هذا سيكون على طريق وذاك على طريقٌ آخر. ولعله لهذا أشار الإمام الصادق (عليّه السلام) بقوله: فيما رُوي عنه أن رسول الله (صَلى الله عليّه و آله) أنال وأنال وأنال، وعندنا أصُول العلم وقواعده. بمعنى أنّه لو أردنا أنْ نمثل بمثال قريبٌ إلى الذهن: هذه النافورة التي يخرج منها الماء وفيها عمودٌ مائي ليخرج الماء، وهو مُتصلٌ بالأسفل، وفيه رذاذ و ماءٌ يتفرق، وهُناك ما ينتشر، فهذا قسم ناله قسم من الناس، وهناك العمود الرئيسي للماء الذي يتغذى من المنبع. فكأنما الإمام الصادق (عليه السلام) يقولْ: الذي حصَل عليه غيرُ أهل البيتْ هو مقدار قليل من علم رسول الله بالقياس إلى ما حصل عليه أهل بيت النبي (صَلى الله عليّه و آله).فأولْ سبب من الأسبابْ: هو أنّ كميّة العلمْ تنتج من اتجاهات مختلفة وطرقٌ شتى فهذا السبب الأول
الأمر الثانيْ: وأمّا السببْ الثاني الذي يذكر: هو فهمْ النصوص الدينية التيْ يأتي بها النبيْ أو الكتاب السماوي، فيأتي كل نبي بكتاب سماوي وأيضاً يكون له توجيهات عبارة عن سنته وأقواله، فينظر الناسْ إلى هذا الكتاب وآياته ويسمعون أحاديث النبيْ، وتختلف أفهام النّاس فيْ نظرهم إلى الكتابْ، وفي سماعهم لحديث نبيهم. لنأخذ على ذلك مثلاً في العقائد، ومثالا في الفقه. مثال في العقائد: عندما يقرأ الإنسان المسلم في القرآن الكريم: "بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ"(4) هذه الآية المباركة من الممكنْ أنْ تفهم بنحوين. النحو الأول: أنْ يأتي إنسان أو أن يأتي عالم فيقول: نعم، الله له يدان، واليد المعروفة هي هذه اليد الجارحة وهي عضو من أعضاء البدن، وهذه اليد الإلهية مبسوطة مفتوحة، فإذن لله يدان وأنّ يديه مفتوحتان. هذا فهم.
يجي عالم آخرْ، ويقول: قامتْ الأدلة على أن الله تعَالى ليس جسماً ولا يتركب من أعضاء، فلا يمكنْ لنا أن نقول أن هذه الآية "بل يداه مبسوطتان" أيّ لا يمكن لنا أنْ نقول أنها تشير إلى اليد بمعنى العضو، وإنما هي عبارة عن معنى كنائي ومجازي وهو يشيرْ إلى سَعة عطاء الله عزّ وجلْ، إذ يشير إلى قدرة الله وتصرفه، وأنّه لا شيء يمْنع من تصرف الله سُبحانه في الكون. هناك فرقٌ كبير بين المعنى الأول وبين المعنى الثاني. المَعنى الأول ينتهي إلى التجسيم و إثبات اليد، و حتى لو نقول: يد مُتناسبة مع الله، بالتاليْ سينتهي إلى تركّب الله من الأعضاء والكلام ذاته سيُقال الكلام الوجه، "وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"(5)، والكلام ذاته فيْ سائر المواردفي قوله تعالى: "يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ"(6)، وفسّرت بساق الله، فصار هذا الإله مُركب من أعضاء ومن أجزاء. الطرف يقولْ: هذا مَعنى التجسيمْ، مَعنى التشبيه، وتعَالى الله سُبحانه وتعالى عنْ ذلك، وإنمَا هي إشارة إلى كرم الله وإنفاقه وإعطاء الله وهيمَنته. فإذنْ أصبح لدينا تباينْ في طريقة الفهم وليسَ فقط في كمية العلمْ التي يأخذها الأتباع والأصْحاب وإنما في فهم هذه النصوص.
مثالٌ منْ الفقه، إذا أصَاب القذر بدنْ أحدُكم فليغسله بالماء كما ورد في الرواية، أيّ أنّه صارتْ نجاسة على بدْن الإنسانْ، فليغسله بالماء، فيأتيْ عالم فيقول: أنّ معنى هذا الحديث هو أنّ تطهيرْ النجاسات يتوقف على غسلها بالماء، ليس إلا و لا تطهر بغير الماء. لماذا؟ لأن الحديث يقول: فليغسله بالماء. ثمّ يأتيْ عالمٌ آخر يقول: لا، الغرض من هذا الحديث، هو أنْ تقلع النجاسة وأن تزال. ذلك الزمان كان عندهم الماء مزيلٌ للنجاسة، فإذا صَار لدينا ديتول نسْتطيع أن نقلع النجاسة، ديتول يزيلها ويعقم المكان، فإذن ليس هُناك شرط في الماء، وإنما الغرض هو فقط اقتلاع النجاسة. فالطرف الأول يقول: لا، كان بإمكان النبي (صلى الله عليه وآله) وهُو الفصيح البليغ أنْ يستخدم غير هذا التعبير، فيستطيع أنْ يقول: إذا أصَاب القذر بدنْ أحدكم فليقلع النجاسة. فلماذا قال: فليغسله بالماء؟! يستطيع أنْ يقول: فليزل النجاسة، لماذا يقول: فليغسله بالماء؟! فإذا كان هُناك قماشٌ موجود يُمكنْ أنْ يقلع النجاسة وإزالة النجاسة بالقماش. فأنت ترى هنا أنّ نصاً واحداً يأتي شخص ويفهمه بطريقة ويأتي شخصٌ آخر ويفهمه بطريقة أخرى و هذا موجودٌ في موضوع العقائد، وهو موجودٌ أيضاً في الفقه. هذا سبب ثاني.
كيفْ ومَتى أُغلق باب الاجْتهاد في الأمّة؟
تفريغ نصيْ: الفاضلة أمجَاد عبدْ العال
تصحيح الأخت الفاضلة سلمى آل حمود
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2020
بدايَة إغلاق بابْ الاجتهاد فيْ الأمّة.
فلننظرْ كيف حصَل هذا الأمر. من الواضح الآن، أنّه لا يُعترَف في الأمة الإسلامية بغير مذاهب فقهية أربعة ، هي: المذهب الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي في وسط مدرسة الخلفاء، وما عداه من المذاهب فإنهم اعتبروها مذاهباً غيرُ رسمية و غيرُ مشروعة، سواءً كانت تنتمي إلى نفس مدرسة الخلفاء ككثير من المذاهب التي انقرضت وانتهت، أو لا تنتمي إليهم: كالإمامية، والزيدية، والأباضية وأمثالها.
لنأتي إلى القضية التاريخيّة بشَكل مُتدرج، ففي بدايات القَرن الثاني الهجري أي من بعد سنة 100 للهجرة تقريباً، بدأ بُروز عددٌ من الفقهاء أصحاب مناهج فقهية وطرق إذ عُدّ منهم الحسن البصري، و عُدّ منهم ابن أبي ليلى، و عُد منهم سفيان الثوري، و عُد منهم أبو حنيفة فيمَا بعد، وغيرهم أيضاً كانوا مَوجودين، وفيما بعد نجد مثل الليث بن سعد والأوزاعي وغيرهم، بمعنى أنّه إلى سنة 180 هجرية و نهاية القرن الثاني كان هناك عدد وافر من المَذاهب وأئمتها.
كان أول تدخُل للسلطة السياسيّة في أمرْ المذهب في بداياتْ زمان العباسيين، نعم الأمويون كانوا يشجعون بعض التوجهات، لكن أول محاولة في تدخل الأمر السياسي، والسلطان والحاكم في المذهبيات بشكل رسمي كان زمان المنصور العباسي، المنصور العباسي حيثُ تولى الخلافة، سَنة 136 هجرية.
تسلم المنصور الخلافَة وهُو مسكون بضدية الطالبيينْ والهاشميينْ، لماذا؟ لأن أصل الثورة على الأمويين كانت بواسطة الفرع العلوي عن طريق أبو هاشم بن محمد بنْ الحنيفة وسلسلته هم الذين بدأوا بالحركة ضدَّ الأمويين، ثم سرقها العباسيون في وقت متأخر، وكانتْ الدعوة إلى (الرضا منْ أهلُ البيتْ) بهذا العنوان، عنوانٌ من دون اسم معين. وقبل سقوط الدولة الأموية، بايع هؤلاء جميعاً محمد بن عبدالله بن الحسن المعروف بالنفس الزكيّة، فبايعوه على أنه هو الإمام وهو الخليفة، ومنْ جُملة الذين بايَعوه كان المنصور العباسي. فالآنْ في عُنقه حسب تعبيرهم بيعة لشخص وهُو مطالبٌ بها. جاء العَباسيون ضمن مسار مُعين وسَيطروا على هذه الحركة وأخذوا الدولة. الآن هو مُطالب ببيعة لمحمد النفسْ الزكيّة، وللعلويين، إذ هو الآن ضد هؤلاء، فرأى أنّه من اللازم إسقاطهمْ و إجلائهم. هذه الحالة جعلته دائماً في موقف الضد منْ الاتجاه العلوي، الاتجاه الطالبي، الاتجاه الهاشميْ، و كل من كان ينتمي إلى علي بنْ أبيْ طالب بالنسبة إلى المنصور كان يُعتبر في جهة الأعداء. وفي الجهة المُقابلة برَز الإمامْ الصّادق (عليه السلام) بمَذهبه في سنة 136 هجرية، وذلك يعني بأنّ الإمام الصّادق (عليه السلام) مضى من عهد إمامته حوالي 22، 23 سنة. ثمّ انتشر علمه بشكلٌ واسع جداً، وبرز كعَالم من أكبر علماء الأمة.
مُحاولاتْ الدّولة العباسية لمُواجهة الفقه الجعفريْ.
فجَاء المَنصور وطلبَ من أبي حنيفة النعْمان إمام المذهب الحنفي الذي كان يُعد أيضاً في ذلك الوقت من العلماء الكبار، طلبَ منه هذا الأمر حيثُ أنّ أبو حنيفة نفسه ينقل هذه الرواية وينقلها اتباعه في كتبهم، قال: "دعاني المنصور وقال لي إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيئ لي من مسائلك الشداد الصعاب" (كتاب مرويات الإمام الصادق). يعني أنّه نريد أن يأتي ونسأله عن مجموعة مسائل لنحرجه فيها، ونكسر هذا الإعجاب والافتتان به. فلما وصل المنصور إلى المدينة، في إحدى سفراته التي كان معه أبو حنيفة ودخل عليهم الإمام الصادق عليهم السلام.
فيقول أبو حنيفة: فدخلني من الهيبة لجَعفر أكثر مما دخلني من الهيبة لأبي جعفر. يعني ملأت نفسي هيبة الإمام الصادق، جعفر بن محمد أكثر مما امتلأت هيبة من الخليفة أبو جعفر المنصور، فلما استقر بنا المجلس، قلت له: عندي مسائل. قال: سل. فبدأت أسأله في الفقه، فكان يقول لي: أنتمْ في العراق، لأنّ أبا حنيفة كان يعد من فقهاء العراق بالكوفة، فيقول أنتم في العراق تقولون كذا في المسألة، وأهلُ المدينة الذين يتبعون النصوص وسيأتي حديث عن هذا، أيّ يقولون كذا، ونحن أهلُ البيت، نقول: كذا.
يقول أبو حنيفة: فرُبما وافقنا وخالفهم، وربما خالفنا و وافقهم، ورُبما خالفنا معاً. حتى إذا انتهت مسائلي، قال لي أبو جعفر المنصور: كيف رأيت؟ قال: قد روينا أو رُوِّينا، يعني نقل إلينا، أن أعلمْ الناس أعلَمَهم باختلاف الناس. ومعنى ذلك أنّ هذا جعفر بن محمد يعلم ليس فقط عن رأيه، وإنما يعلمْ عن رأي أهل المدينة، و يعلم عن رأي أهل العراق، وعنده رأيه الخاص. فهذا يتبين أنّه لديه إحاطة علمية بكل الآراء فهو أعلم الناس. هذه أول محاولة، شهدناها بشكل رسمي حيثُ قامت بها السلطة العباسية لمواجهة الفقه الجعفري، الإمامي، ولتأييد من ترى.
المحاولة الثانية، كانتْ بشكل أكثرْ تقدماً مع الإمام مالك بن أنس وهو إمام المذهب المالكي. في إحْدى سفرات المنصور إلى المدينة، وذلك لأنّ مالك لم يخرُج من المدينة، إذ حصل لقاء بينهما، فيقول المنصورْ لمالك: هنا رُوايتان، ولكن إحدى الروايتين أظرف منْ الأخرى في نمط العرض! وأنا أنقل إحدى الروايتين. قال المنصور لمالك: أنه لم يبقَ من علماء هذه الأمّة إلا أنا وأنت. أيّ بمعنى أنه كل هؤلاء العلماء الذين ذكرنا أسماؤهم الآن وغيرهم لم يكونوا علماء في نظر المنصور! فالعَالمان الوحيدان في الأمة، هو المنصور ومالك، فيقول: وأنا قد شغلتني أمور الخلافة، فلا أستطيعْ أن أكتب كتباً، فاكتب لنا كتابا ووطئه للناس، ولذلك سُمي كتاب مالك باسم: الموطأ، وطئه للناس، يعني: سهله واجعله يسيراً ليفهمه الناس، وتجنب فيه شدائد فلان ورخص فلان، في بعض الروايات، في، نقلها صاحب مستدرك الوسائل، ولا تروي فيه عن علي بن أبي طالب. وبالفعل، مالك/ في الموطأ، لم يرو عنْ علي (عليّه السلام)، وهذا ما سنتناوله في الحديث عنه، فعند استعراض شيءْ عن المَذهب المالكي ...
آثار منع الاجتهاد وحصر المذاهب في الأمة
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2021
روي عن سيدنا ومولانا رسول الله (ص) أنه قال: أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة، من يجدد لها دينها. صدق سيدنا ومولانا رسول الله (ص
حديثنا بإذن الله تعالى يتناول موضوع الآثار الثقافية، والاجتماعية، التي نتجت عن قرار الخلافة العباسية بمنع الاجتهاد، وحصر المذاهب في الأمة بأربعة مذاهب. كان هناك آثار متعددة سنتعرض إليها إن شاء الله تعالى. افتتحنا بهذا الحديث، الذي روي في مصادر مدرسة الخلفاء، بأسانيد معتبرة عندهم، فقد روي في سند ابن داوود، وأيضا في مستدرك الحاكم، وفي سنن البيهقي. كما تم التعامل مع هذا الحديث، في أدبيات الفقه الشيعي، باعتباره حديثا مشهورا، عن رسول الله (ص)، وتم الحديث في شرحه، ومناقشته، كأنه مفروغ، من هذا الحديث، الآن، نحن لا نريد أن نحقق في الجهة السندية لهذا الحديث، ولكن نريد أن نفتتح به، باعتبار أن هذا الحديث، يشكل إحدى المعلات والإشكاليات، في هذا القرار المستمر، الذي تعاملت معه السلطات السياسة في بلاد المسلمين، منذ أن أصدره القادر العباسي، إلى يومنا هذا.
فإن عددا من الباحثين ذكروا أن قرار منع الاجتهاد، وحصر المذاهب في مذاهب معينة، يتخالف مع كلام النبي، مع هذا الحديث، الذي هو صحيح عند مدرسة الخلفاء بلا كلام فيه. فكيف يمكن التوفيق بين هذا الحديث الذي يقول: أن الله سبحانه وتعالى، يمن على الأمة ويبعث فيها في رأس كل قرن من الزمان، يبعث فيها مجددا مجتهدا، يجدد لها هذا الدين، ومعارفه، وأحكامه ونظرياته، من المعلوم أن حفظ ما تركه مثلا أبو حنيفة من كتب، أو شرح ما خلفه مالك من فتاوى، أو غير ذلك، مجرد مطالعة هذه أو شرحها، أو حفظها، أو تدارسها، لا يسمى تجديدا، التجديد: هو إبداع نظريات جديدة، هو ابتكار آراء جديدة. أما أن يدور المسلمون في داخل ما هو موجود، من الكتب التراثية ويعيدون حفظها وشرحها، فهذا لا يسمى تجديدا، فكيف إذن يمكن أن يوفق من جهة بين أن الله يبعث مجددا، على رأس سنة، 100، و200، و300، 400، و500، 600، و700، ومو واحد، من يجدد، هذه إشارة إلى الصفة، والصفة قد تتجسد في واحد، وقد تتجسد في 10، و20. فكيف إذن ينسجم هذا مع فكرة منع الاجتهاد، وإغلاق باب الاجتهاد، وعدم السماح لأصحاب المذاهب بإبداء نظرياتهم. هذا واحد، من الإشكاليات التي اصطدم بها، قرار إغلاق باب الاجتهاد، وحصر المذاهب، في الأربعة المعروفة. ليس هذه هي الإشكالية الوحيدة، وإنما هناك آثار وإشكاليات متعددة. نشير إلى بعضها.
من ذلك ما أشرنا إليه إشارة في وقت سابق، من أن هذا القرار صار ترسيم، لتدخل الدولة والسياسة في دين الناس، وهذا أدى إلى يومنا هذا إلى مشاكل دينية. بمعنى أنه أصبح بعض المذاهب خارج إطار الأمة، التشيع مثلا غير معترف به، ضمن هذا القرار، فإذن وجوده وجود غير شرعي. وهذا يسهل أن يتخذ السياسيون قرارات بالمنع والمصادرة والحجب وغير ذلك. إلى أيامنا هذه. في بعض الدول، يعتبر النشاط الشيعي محظورا من الناحية القانونية. ليش؟ لأنه يقول لك: هذا ليس مذهبا من مذاهب المسلمين، المذاهب الموجودة هي أربعة، فهذا مذهب خارج على النظام، خارج على القانون، فكل شيء يرتبط به أيضا، من نشاط وتبليغ وكتاب ومنبر وغير ذلك، أيضا ذمن هذا الإطار. وهذا لا يختص بالمذهب الإمامي، المذهب الزيدي كذلك، المذهب الأباضي كذلك، المذاهب التي لم يكن لديها قدرة على المقاومة، والاستمرار، انتهت، كما ذكرنا، ضجت في القرن الثالث الهجري الأمة، امتلأت بالمذاهب، وبعضها كان يحتل مساحات واسعة في الأمة، لكن على أثر المنع الرسمي، واعتبار الشيء غير قانوني، اتباعه لم يجدوا أن بإمكانهم المقاومة والاستمرار، فاندثر هذا المذهب بالتدريج، المذاهب الأخرى، لا، قسم منها حافظت على وجودها، استمرت، ولكن استمرت خارج الإطار، يتعامل معها في كل زمن على أنها خارج إطار الأمة، خارج إطار المسلمين خارج إطار القانون، وكان في هذا تقسيما رسميا وشديدا للأمة الإسلامية، أنت أيها السياسي، أنت أيها السلطان، أنت يا أيها الخليفة العباسي، أو العثماني، اللي جاي على أساس سلطان أو خليفة المسلمين جميعا، كيف تسمح أن تقوم بترسيم هذا الانشقاق في الأمة، فتجعله رسميا فتخرج مذهبا مع جميع أتباعه وثقافته وكتبه وتراثه وممارساته كلها، هذي تخرجها من الأمة، وتبقي قسم آخر. وأنت تسمى خليفة المسلمين.
وهذا إلى اليوم مفاعيله موجودة ها، ولا يقتصر على المذهب الشيعي، أنت لا تتصور أنه فقط المذهب الشيعي، لا أكو عندنا مشكلة في داخل المذاهب الأربعة أيضا، الآن في مصر على سبيل المثال، إلى الآن، القضاء الرسمي، والمعاملات الدينية، الرسمية، هي حنفية. قضايا الزواج والطلاق، والعقود وما يرتبط بها، كل شيء يرتبط بالجانب الرسمي، هو حنفي، لكن مذهب الناس العادي هو شافعي. هو عامة المصريين، الأكثر أنهم شوافع، ولكن عندما يذهب إلى المحكمة، لا بد أن يتزوج على وفق مذهب أبي حنيفة، عندما يريد أن يرث أو يورث لا بد على طبق ذلك المذهب الرسمي، وعلى هذا المعدل.
طيب، هذا الإنسان، إذا أراد أن يتزوج، أو أن يطلق، أو أن يرث ميراثا، أو أن يغسل جنازة أبيه، أو أن يشيع جنازة أخيه، أو أن يدفن جنازة ابنه، وكلها هذه فيها أحكام بعضها تتفق، وبعضها لا تتفق، لازم يسوي ازدواجية، لازم يروح المحكمة، حتى يعقد بشكل حتى إذا رجع إلى البيت يعقد بشكل آخر، يروح إلى المحكمة، يطلق بشكل، فإذا رجع إلى البيت يطلق بشكل آخر، ولا يعتقد بذلك الطلاق الرسمي كافيا، يرث بحسب الأوراق بطريقة، ولكنه لا يستحلها بينه وبين نفسه، وإنما يجري صيغة أخرى للميراث. يغسَّل أو يُصلى عليه، على جنازة ميته، بشكل، حتى إذا انصرف الرسميون، رجع أو غسلها أو كفنها أو صلى عليها بطريقة أخرى. لماذا تتورط الأمة في هذا بناء على قرار أخرق اتخذه خليفة عباسي، قبل 1000 سنة من الزمان؟! وإلى الآن لا تزال مفاعيله مستمرة، وآثاره السيئة والسلبية قائمة ...
أبو حنيفة النعمان إمام المذهب الحنفي
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2022
قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).
حديثنا بإذن الله تعالى، يتناول حياة إمام المذهب الحنفي أبي حنيفة النعمان ابن ثابت ابن زوطي ابن المرزبان. هذا الحديث يأتي في سياق حديثنا في تاريخ المذاهب الإسلامية، بغية التعرف عليها وعلى أفكارها وآرائها ونقاط الالتقاء والاختلاف من الناحية العلمية.
وقد سبق أن ذكرنا، أن من المشاكل التي تعانيها الأمة وأبناؤها، أنهم أحيانا يتعادون فيما بينهم، ويتباغضون فيما بينهم، ولكن لا يعرف الواحد منهم الآخر، ولا يعرف ما يعتقد به، وإنما سمع كلاما وتعبئة وعلى أثر ذلك، أبغض هذا الظرف، واتخذ منه موقفا سلبيا، نحن نحاول أن لا نقع في هذا الخطأ، نحاول أن نتعرف على هذه المذاهب، على حياة أئمتها، على ما تتفق فيه هذه المذاهب، مع الإمامية، ما تختلف فيه، وما حدود ذلك الاختلاف والاتفاق، المعرفة تطرد الموقف السيء، والجهل ينتهي إلى الجهالة وأحيانا إلى السفاهة العملية.
سنتعرض إن شاء الله إلى عرض إجمالي سريع عن حياة مؤسس المذهب الحنفي، باعتبار أنه من الناحية التاريخية يعد أول المذاهب الأربعة، بقية المذاهب الأربعة جاءت بعد المذهب الحنفي. أول مذهب تأسس تاريخيا ضمن المذاهب الأربعة الفعلية هو مذهب الأحناف. ونسب كما هي العادة إلى مؤسسه. أبو حنيفة، هناك كلام في أنه هل هو من أهل أفغانستان في الأصل، يعني أجداده كانوا من سبي كابول، وجيء بهم إلى المنطقة العربية، ثم أعتق جده، ثم أصبح ولاءه إلى بني شيبان، لذلك نسب إليهم، كما هي العادة الجارية في المجتمع المسلم في تلك الفترة. إن الشخص إذا كان غير حر، ينتمي بالولاء إلى أسرة من الأسر القوية، يقولون مثلا: قنبر مولى علي بن أبي طالب، ولاؤه لبني هاشم، كأنما يستقوي بهذه الأسرة، يعتبر أنه قد انتمى إليهم. وإن كان ليس من أبنائها حقيقة. جد أبي حنيفة، بناء على هذا الرأي، كان من كابول، أفغانستان، سبي واسترق في بعض الحروب والفتوحات، ولما جاء إلى المنطقة العربية، أصبح ولاءه لبني شيبان، ولذلك أحيانا ينسب إليهم، يقال: أبو حنيفة الشيباني. من هذا الباب، أو أنه كما ذهب إليه باحثون متأخرون، هو عربي الأصل. هذا مبحث تخصصي، لا أعتقد أنه ينبغي أن نتعطل فيه كثيرا.
ولادته ووفاته، كانت متزامنة مع ولادة الإمام الصادق (ع)، وشهادة الإمام الصادق، تقريبا، في نفس الفترة الزمنية. أبو حنيفة، ولد سنة 80 للهجرة، ومات في سنة 150 للهجرة. 70 سنة يعني. الإمام الصادق (ع)، رواية تقول: أنه ولد سنة 80، وأخرى تقول: ولد سنة 82، وشهادته كانت سنة 148، قبل وفاة أبي حنيفة بسنتين.
أبو حنيفة، في أول أمره، لم يكن يطلب العلم، وإنما كان بزازا، يبيع القماش، وكأن هذي كانت مهنة أسرته، ولكن على أثر ما نظر إليه من تعظيم قدر العلماء في الكوفة، وهو معيشته في الكوفة، منذ صغره كان في الكوفة، الحالة العلمية في الكوفة كانت في تلك الفترة مزدهرة وقوية، ووضع العلماء فيها مكرما ومحترما، فأثر هذا فيه في أن يتجه للعلم. وبدأ بدراسة العقائد وعلم الكلام، كما يقولون، لكن فد يوم – كما يقولون – جاءت امرأة إلى المسجد تسأل عن مسألة في الطلاق، مسألة من مسائل الطلاق، فصادفت أبا حنيفة، سألته عن هالمسألة، الرجل ما كان عنده معرفة بالفقه، يعرف عقائد، يعرف مناظرات، يعرف احتجاجات كلامية، فقال لها: ليس عندي علم بهذا، ولكن ذاك الشخص، وأشار إلى حماد، حماد ابن أبي سليمان، توفي سنة 120 هجرية، وسيكون الأستاذ الأهم لأبي حنيفة، هذا حماد، أشار إليه، وقال: ذاك يعرف في الفقه، روحي اسأليه، وخبريني بالجواب أيضا. فسألته، أعطاها جوابا. أخبرت أبا حنيفة. فكأنه استنكف من نفسه أنه يطلق عليه اسم عالم، ومع ذلك في مسألة من مسائل الطلاق، لا يستطيع أن يجيب عليها، فتوجه – كما قالوا – إلى دراسة الفقه، وبشكل أساس تتلمذ على يد حماد ابن أبي سليمان. أعيد إلى ذهن الأخوة الأفاضل والأخوات الفاضلات، أننا ذكرنا في وقت سبق أن هذا حماد هو تلميذ إبراهيم النخعي، وإبراهيم النخعي، تلميذ عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن مسعود تلميذ للخليفة الثاني، وهذه السلسلة هي تشكل، مدرسة الرأي والاجتهاد، في مقابل مدرسة النص والحديث التي تحدثنا عنها في مجالس سابقة. عبد الله بن مسعود، هالسا ما دام مر ذكره، هناك رأيان بين علمائنا في شأنه، رأي يدافع عنه، ويقول: كان محبا لأهل البيت (ع)، ومنسجما معهم، وورد أنه كان من ضمن من احتج في بعض الروايات على الخلافة لما أزاحوا الإمام (ع)، قام في المسجد من جملة 12 واحد، احتجوا على هذا الأمر، هذي رواية، وإن كان بعضهم يشكك في اسمه، وينتهي في تحليل، إلى أن عبد الله بن مسعود، كان منسجما مع الاتجاه العام لعلي بن أبي طالب (ع)، ولأهل البيت. وإلى هذا المسلك، ذهب المرحوم العلامة المامقاني، أحد الرجاليين الكبار المتأخرين، في كتابه: تنقيح المقال. رجل عالم كبير، وعنده كتاب ضخم، اسمه: تنقيح المقال. انتهى إلى أن عبد الله بن مسعود، لا، رجل، منسجم مع أهل البيت، ربما عنده بعض الآراء هنا وهناك، ولكن بشكل عام، لم يكن بهذا النحو الذي يصور. هناك رأي آخر ذهب إليه الشيخ محمد تقي التستري، أيضا من الرجاليين والمحققين الكبار، توفي لعله قبل أكثر من 35 سنة، وهذا عنده كتاب اسمه: قاموس الرجال. على الرأي المخالف، يقول: لا، الرجل بالفعل كان ممن أخذ مدرسة الخليفة الثاني، ونقلها إلى الكوفة، لأن الخليفة الثاني أرسله معلما ومؤدبا لأهل الكوفة، ولم يكن ليرسل شخصا على خلاف منهجه الفكري. بل عندنا في مثلا كتاب: إعلام الموقعين، لابن القيم الجوزي، من مدرسة الخلفاء، يؤكد على أن أكثر المتأثرين بالخليفة الثاني، كان عبد الله بن مسعود، هو الذي حفظ فتاواه، وهو الذي نشرها، تقريبا، أخذ مدرسته ونقلها إلى الكوفة. لذلك يذهب الشيخ التستري في قاموس الرجال، إلى أن ابن مسعود كان خطه خط ...
من معالم المذهب الحنفي وآرائه
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2023
قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).
حديثنا بإذن الله تعالى، يتناول موضوع، المذهب الحنفي في أهم معالمه وآرائه. وهو يأتي في ضمن محاولة التعرف على سائر المذاهب الإسلامية، ومعرفة آرائها، وبيان وجه الاتفاق والاختلاف، بينها وبين مذهب الإمامية. في لمحة تاريخية، وجغرافية سريعة، عن هذا المذهب، يمكن أن نقول: إن البداية القوية التي ابتدأ هذا المذهب، كانت في زمن هارون الرشيد العباسي، عندما قرب إليه أبا يوسف القاضي، التلميذ البارز لأبي حنيفة النعمان.
وإن كان هناك علاقة قبل زمان الرشيد، في أيام المهدي، إلا أن البداية القوية، كانت في زمانه، عندما فوض الرشيد إلى أبي يوسف القاضي، التلميذ البارز كما ذكرنا لأبي حنيفة، فوض إليه الأمور الدينية، في المملكة الإسلامية كلها، وأبو يوسف أيضا قام بتعيين أهم تلامذة أبي حنيفة في أهم الأمصار الإسلامية، فجعل على الكوفة، وهي عاصمة الحركة الدينية في ذلك الوقت، جعل عليها الحسن بن زياد اللؤلؤي، وهو من تلامذة أبي حنيفة، وجعل على البصر زُفّر الهذيل، وهو أيضا من تلامذته، وجعل على الرقة، والرقة كانت في فترة من الفترات، بمثابة العاصمة الموسمية للدولة، جعل عليها محمد بن الحسن الشيباني، وهو أي قاضي القضاة في بغداد. ثم لم يعين قاض، ولا إمام جماعة، ولا ناظر مدرسة، إلا ضمن هذا الإطار. حتى قال ابن حزم الظاهري، وهو إمام المذهب الظاهري، قال: مذهبان كان بدو أمرهما بالرياسة والسلطان. مذهب أبي حنيفة، وأشار إلى اختصاص الرشيد بأبي يوسف، وقال: فلم يعين في شرق المملكة الإسلامية إلى غربها قاض إلا من الأحناف. يعني اخذ من أفغانستان، إلى المغرب، موريتانيا، كل هذه المنطقة، بشمالها وجنوبها، كانت ضمن مدى الدولة الإسلامية، وكان يعين عليها القضاة، ومن يرتبطون بالموضوع الديني من المذهب، طبيعي عندما يكون المذهب الرسمي، هو هذا، أوقاف تجري على طريقته، وإمامة الجماعة كذلك، والقضاء كذلك، وكل الأمور الأخرى، من الطبيعي أن يزداد أتباعه، وأن يزداد الطلاب الدارسون في مدارسه، والمعلمون لهذا المذهب. هاي مرحلة كانت قوية.
زادها قوة فيما بعد، تولي السلاجقة والغزنويين، في القرن الرابع الهجري، وما بعده، لبعض ولايات الإسلام، مثل خراسان، وإيران، وباكستان، وأفغانستان، وصولا إلى بغداد، في فترة من الفترات. هؤلاء السلاجقة الأتراك، والغزنوييون، كانوا أيضا يدعمون المذهب الحنفي.
في مرحلة ثالثة، المماليك، الذين جاؤوا في مصر، وبلاد الشام، دعموا المذهب الحنفي ضمن ظروف معينة، فزاد قوة، ولكن أعظم دعم، حصل عليه هذا المذهب، كان قبل حوالي 750 سنة، يعني تحديدا في سنة 700 هجرية، عندما بدأت الخلافة العثمانية. فالتزم الخلفاء العثمانيون، والسلاطين العثمانيون بالمذهب الحنفي، ونشروه في كل مكان، وصلت إليه يد الدولة العثمانية.
فإذا رحت إلى بلاد البلقان والجمهوريات الروسية، المستقلة أخيرا، حيث وصلت سلطة الأتراك في بعض الفترات في ذلك الزمان، تجد المذهب الحنفي هناك مذهبا موجودا. إذا وصلوا إلى الهند وباكستان وأطراف أفغانستان، بل داخل المنطقة العربية، العراق مثلا، اللي كان للعثمانيين سيطرة، تجد المذهب الحنفي واضحا. بل حتى عندنا هنا، في الخليج والمنطقة، أيضا، وإن لم يكن هناك سيطرة قوية للعثمانيين، إلا في بعض الفترات، على الحجاز، إلا أنه بمقدار ما كانوا يستطيعون، حاولوا أن يدعموا وأن يقووا هذا المذهب في الأماكن التي وصلوا إليها.
يذكر بعض الباحثين، أسبابا لتبني الدولة العثمانية للمذهب الحنفي. من الأسباب التي تذكر أن المذهب الحنفي، يسهل مشروعية الخلافة، والإمامة العامة، بالنسبة إلى العثمانية، بينما لا نجد ذلك في سائر المذاهب. كيف؟ الآن لكي يكون شخص خليفة للمسلمين، لا بد أن يجيب على سؤال شرعيته، من أين أصبحت خليفة للمسلمين؟ هذولا كانوا كدولة عثمانية، يعتبرون أنفسهم مو سلطة تركية، وإنما خلافة إسلامية، مو احتلال تركي كانوا ينظرون لأنفسهم. وإنما ينظرون إلى أن خلافة دينية، كما كانت الخلافات وأنواع الخلافة السابقة، فمشكلة الأتراك مع سائر المذاهب، في أن المذاهب يشترطون في الإمام العام والخليفة أن يكون من قريش، تبعا لما رووه عن النبي: "إن الأئمة من قريش"، يعني من كان إماما وخليفة، عاما، لا بد أن يكون من قريش، وهؤلاء ليسوا من العرب، فضلا أن يكونوا من قريش. فإذن لا يستحقون الإمامة، ولا يستحقون الخلافة. المذهب الحنفي لا يشترط في الإمامة العامة، أن يكون قرشيا أو عربيا، يكفي أن يكون مسلما صالحا، يقولوا: احنا مسلمون، ونحن صالحون.
فبالنسبة لهم، أن يلتزموا بالمذهب الحنفي، يجيب على سؤال مشروعيتهم ووجودها، بينما سائر المذاهب تعارض هذه المشروعية. هذا سبب يشير إليه بعض الباحثين. وسبب آخر قد يشير إليه باحثون آخرون، من أن طبيعة المذهب الحنفي لما كان لا يتقيد كثيرا بأمر النصوص، والأحاديث وإنما يعمل الرأي والاجتهاد، والمقاصد والغايات، لذلك حركته السياسية وحركته المالية والمعاملاتية ستكون أسرع وأسهل.
المذهب الذي يتقيد بالنصوص كثيرا، يضيق مساحة الحركة، المذهب الذي يخرج من هذا الإطار، ويعمل الآراء، يعمل بالقياسات، يعمل بالاجتهادات، يتحرر كثيرا وهؤلاء في الدولة يحتاجون إلى مساحة واسعة من الحركة، هذا الأمر يوفره لهم المذهب الحنفي، أكثر مما يوفره لهم مثلا المذهب الحنبلي. اللي كان مذهب نصي، وحديثي كامل. أو حتى المذهب المالكي، بل حتى المذهب الشافعي. يعني أفضل خيار لهم هو المذهب الحنفي. لذلك التزموا به ودعموه، واستقووا به وقووه. هذي إشارة سريعة إلى قضية المذهب في وجوده التاريخي وشيء من جغرافيته.
مالك بن أنس إمام المذهب المالكي
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2024
قال سيدنا ومولانا أمير المؤمنين فيما روي عنه: "انظروا أهل بيت نبيكم، فالزموا سمتهم واتبعوا آثارهم، فإنهم لن يخرجوكم من هدى، ولن يدخلوكم في ردى" .
إمام المذهب المالكي، مالك بن أنس، الذي ولد في سنة 93 من الهجرة، وتوفي سنة 179 للهجرة، ويعتبر مذهبه الثاني في البروز والظهور التاريخي بعد المذهب الحنفي، في مدرسة الخلفاء، ويعتبر أيضا الطرف المقابل للمذهب الحنفي، ذلك أن المذهب الحنفي كان يمثل اتجاه الرأي والاجتهاد، في المذاهب الأربعة، بشكل واضح، وكبير، وقد تعرضنا له في حديث مضى، في مقابل ذلك، يمثل المذهب المالكي، التبلور الأكبر لاتجاه مدرسة الحديث، إلى ذلك الوقت، والاعتماد على النصوص، والابتعاد قدر الإمكان عن الرأي. ولعل هذا راجع إلى أن الأساتذة والشيوخ الذين تعلم عليهم مالك وأخذ منهم. كانوا يتنمون إلى هذه المدرسة الحديثية، مثلما أنه في الأفق الإمامي، كان الاعتماد الأكبر على الحديث، وقد سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع، كان هناك شعبة في مدرسة الخلفاء، تعتمد على ما تسمعه من النبي (ص)، وأخذ عن هذه المدرسة، عن هذه الشعبة، مالك، هذا الاتجاه، فمثلا هو من تلامذة نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، عبد الله بن عمر، يصنف تاريخيا، على ما يقابل مدرسة الرأي، يصنف على مدرسة الحديُ، بالمقدار الذي أخذ عن رسول الله (ص). وبعض الباحثين يقول: أن موارد الاختلاف بين عبد الله بن عمر وبين والده في قضايا فقهية، كانت ناشئة من الاختلاف بين إبداء الرأي والاجتهاد أمام النصوص، أو الالتزام بنفس النصوص. كما ذكروا مثلا في قضية متعة النساء، حيث منعها الخليفة الثاني، بينما أثبتها عبد الله فيما نقل عنه. وفي بعض المصادر، في مثل الأذان، إزالة: حي على خير العمل، من الأذان والإقامة، الذي ينقل أن الخليفة الثاني، قد قرر منعه وإزالته، في المقابل ينثل أن عبد الله بن عمر، كان يرى وجود هذا اللفظ في الأذان والإقامة، وأمثال ذلك مما يذكرون.
هذا عبد الله بن عمر كان عنده أحد مواليه، وهو نافع، درسه، علمه، وحمل نافع عن عبد الله هذا العلم، ودرس وأخذ مالك ابن أنس، إمام المذهب المالكي، عن نافع.
أيضا ينقلون أنه أخذ عن محمد بن شهاب الزهري، وهو أيضا يعد في المحدثين، واتجاه مدرسة الحديث، وقد كان قاضيا لفترة من الزمان في الدولة الأموية، وأيضا ينقلون أنه أخذ عن محمد بن المنكدر، وهذا أيضا يعد في المحدثين، ويأتي لكلا محمد بن مسلم الزهري، ولمحمد بن المنكدر، بعض الحوارات بينهما وبين الإمام السجاد (ع).
هؤلاء وغيرهم: أيوب السختياني، وابن هرمز، ذكر في، ذكر هؤلاء في أساتذة مالك، كما ذكروا أيضا أن من جملة من أخذ عنهم العلم، مالك، أخذ عن الإمام الصادق (ع). هذا يذكر في ترجمته. وبالفعل هناك في كتاب الموطأ، الذي سوف نتحدث عنه بعد قليل، يوجد حوالي تسعة أحاديث عن الإمام الصادق، وإن كانت كلها ترجع إلى حديث واحد مقطع، في حج رسول الله (ص).
هالسا نأتي على مثل هذا الموضوع، فيما يأتي من الدقائق. مالك، بعد أن أخذ العلم، تعرض إلى موقف، هو الموقف تجاه محمد النفس الزكية، محمد بن عبد الله، بن الحسن، بن الحسن السبط، ابن حفيد الإمام الحسن (ع)، معروف بمحمد النفس الزكية، وهذا قام بثورة مهمة في وجه المنصور العباسي، واستشهد سنة 145 هجرية، ثورة محمد النفس الزكية استقطبت كثير من العلماء وكثير من الناس، أولا: لشخصية محمد، باعتباره واحد من الأسرة الهاشمية، وكانت شخصيته شخصية لامعة ومهمة، وكان متوقع أنه لما تسقط الدولة العباسية، مثل هؤلاء يكونوا خلفاء، عند عامة الناس، حتى أن المنصور العباسي، بايع محمد النفس الزكية بيعة، يعني: أنا خادم إلك، أنا جندي من جنودك. أنا المنصور. فلما سرقت الثورة من قبل الأسرة العباسية، بدأت المطاردة لهؤلاء العلويين، وكان كل هم المنصور، أن يقبض على محمد النفس الزكية، وعلى أخيه إبراهيم.
محمد كان في المدينة، وكما قلنا، من الأسرة الهاشمية، شخصيته شخصية مقبولة، الناس أيضا عندهم أن بني هاشم، وأسرة النبي، تعرضوا لظلم كبير أيام الأمويين، ولم يكونوا يستحقونه، فيتعاطفون مع المظلوم بشكل طبيعي. لذلك أراد قسم من أهل المدينة الالتحاق بنهضة محمد النفس الزكية، ضد المنصور. هنا يأتي موضوع مالك ابن أنس، إمام المذهب المالكي.
العباسيون عندما كانوا يأخذون البيعة، كانوا يأخذون البيعة، من الشخص على العتاق والطلاق لو خالف، يعني يقوله هذا، والي المدينة، يجيب هذا الإنسان، يبايع المنصور، تقول: تبايع المنصور على أنه خليفة، وعلى أنك مطيع إله، وأنك لو خالفته أو نهضت ضده، أو شغبت عليه، فنساؤك طوالق، وعبيدك أحرار. طيب.
وهذا عند بعض المذاهب، في مدرسة الخلفاء، جائز، حتى إلى الآن، إحدى المشاكل الموجودة في هالبيئة هذي أنه يصير طلاق على أتفه الأمور، يقول: تجي وياي الفطور، وإلا علي الطلاق. يا معود خفف، ثقل، خلاص، ما إجا هذاك، رز عناده، راحت في شيس المرة مسكينة، يابا هالسا أنت تريد تجيب الفطور ما إجا نسائي طوالق. إذا بعد متعددات، كلهم يطلعوا برا. عندنا هذا النوع من الطلاق فاسد وباطل، فإن للطلاق شروطا منها الشهود، ومنها الطهر، أن تكون المرأة طاهر، ومنها: أن لا يكون قد قاربها في ذلك الطهر مقاربة جنسية، ومنها أيضا أن ينشئ الطلاق، بأن يقول لها: أنت طالق. من دون تعليق، تعليقه على شيء.
مو إذا جاني فلان على الفطور، فأنت زوجة، وإن لم يأت فأنت طالق، هذا تعليق لا ينفع ولا يفيد. لكن عند سائر المذاهب هذا عادي وأحيانا تطلق المرأة بهذا النحو، فهذولا العباسيون استفادوا م هذا المعنى بأن يقولوا: أنت تبايع هذا وإن خالفته فامرأتك طالق، خو هذا اللي يريد يجي الآن، ينهض وي الثائرين، يخلي في باله أنا أنهض وياهم وأخسر مرتي! خلي مرتي على حالها، وخلي هذاك الثائر وغيره يمشي. فاستفتي مالك، فقال كلمة فهم منها: أنه يؤيد أن ينزع الإنسان بيعته، قال: ليس على المستكره يمين ..
من معالم المذهب المالكي وآرائه
تفريغ نصي الفاضلة امجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2017
قال سيدنا ومولانا رسول الله (ص): "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة
يعد المذهب المالكي، من المذاهب التي توفر لها دعم، من قبل دول وحكومات، وهذا أثر تأثيرا مباشرا وكبيرا، في مدى انتشار هذا المذهب، وهذا ما أشار إليه الظاهري، الذي قال، ابن حزم، الذي قال: هناك مذهبين، كانت بداية أمرهما وانتشارهما بالرياسة والسلطان، المذهب الحنفي، في المشرق، والمذهب المالكي عندنا، يعني في المغرب والأندلس.
تعلمون أن هذه الصفة ليست صفة إيجابية أن يكون اعتماد مذهب على حكومة، أو سلطة أو رئاسة، سواء كان هذا المذهب حنبليا أو مالكيا أو شافعيا أو جعفريا، ليس هذا من الأمور الممدوحة، قوة المذاهب، ينبغي أن تقاس، بأدلتها، وبراهينها، قوتها الفكرية، الذي ينشرها ينبغي أن يكون قواعدها الفكرية، والفقهية والأصولية، وبراهينها التي تبرز في ميدان النقاش والجدال، وأما أن يكون المذهب الفلاني انتشاره وقبول الناس به، تم عن طريق الفرض السلطاني، فإن هذا لا يعد ميزة في أي مذهب كان، الميزة في المذهب كما قلنا، هي: (قل هاتوا برهانكم)، لا هاتوا سيفكم ورمحكم وقوتكم.
على أي حال، المعروف أن بعض المذاهب في مدرسة الخلفاء، توفر لها سلطات وحكومات تبنت هذا المذهب ودافعت عنه، وفرضته وألغت غيره، هذه الحالة، حالة غير حسنة، حتى وإن قلنا أن التزام دولة، أو حكومة بمذهب، بالتالي هم أيضا من المسلمين، ولا بد أن يلتزموا بمذهب، ولكن أن يفرض على الناس، وأن يلغى ما عداه، بقوة السلطان، هذي تعد من الأمور، غير المستحسنة.
مذهب مالك، كان قد حظي أولا برعاية الدولة العباسية في زمان المنصور، كما ذكرنا في وقت سابق. بل إن الموطأ، بناء على ما هو مشور، هو اقتراح عباسي، اقتراح سلطوي عباسي أن دوِّن كتابا بهذه المواصفات. انتشار المذهب المالكي، في أفريقيا، يعني من ليبيا بحسب الأسماء هذه الأيام، إلى موريتانيا، غربا، ومن ليبيا إلى السودان وتشاد والنيجر والسينغال وهالمنطقة الأفريقية، أيضا حدث له انتشار. هذا مر بفترات مختلفة، كان فيها للسلاطين دور مهم في تدعيم هذا المذهب.
في الأندلس مثلا، انتشر المذهب المالكي، وذلك على أثر، تعلمون أن الأندلس، عندما ذهب إليها الأمويون، عبد الرحمن الداخل، ثم أبناءه، وسيطروا على تلك المنطقة، في زمان هشام بن عبد الرحمن الداخل اللي توفي سنة 180 هجرية، يعني سنة بعد وفاة إمام المذهب المالكي، مالك. كان هذا الحاكم الأموي استدعى فقهاء من هذا المذهب، ومنع التمذهب بغيره، وأنه أي كتاب، أي رأي، في هذه المنطقة، لا ينبغي أن يكون، أي قاضي لا يولى إلا من هذا المذهب. مدارس، تدريس، أئمة جماعة، كل شيء يتصل بالحالة الرسمية، جعله في المذهب المالكي، ولهذا أشار إليه الظاهري بقوله: في بلادنا، يعني في تلك المنطقة، لأنه أيضا أندلسي. وهو يخالف في قسم من مناهجه الإمام مالك.
الشاهد أن الأندلس ضمن هذا الإطار، انتشر فيها المذهب، تجي إلى أفريقيا، أفريقيا من ليبيا فصاعدا، منذ زمان هارون الرشيد، استقلت هذه المنطقة على يد أمراء الأغالبة، بني الأغلب، وسووا لهم دولة باسم دولة الأغالبة، استمرت 100 سنة، وهؤلاء دعموا وجود المذهب المالكي في هذه المنطقة، ولا سيما مع مجيء أحد تلامذة الإمام مالك، وهو يحيى بن يحيى الليثي، من تلامذة تلامذته، وهذا أيضا وإن لم يكن قاضيا، إلا أنه لم يكن يولى قاض ولا إمام جماعة، ولا أحد في جهة دينية، إلا بمشاورته، وكان هو يصر على أن يكون ذلك الشخص مالكيا.
أغالبة راحوا، جو الفاطميين، تراجع موضوع المذهب المالكي، من الناحية الرسمية، إلى أن جاء المعز بن باديس، المعز بن باديس، تبنى المذهب المالكي، بقوة، وقاوم كل شيء غيره، حتى المذاهب السنية الأخرى، التوجه الشيعي الذي ترافق مع حضور الفاطميين في أفريقيا، الفاطميون كانوا إسماعيليين، بس حضور شيعي عام، موجود. فجاء هذا المعز بن باديس ومنع هذا واكتسحه. أباضية أيضا كان هناك. توجه أباضي، إذا صار فرصة، إن شاء الله، احنا نتحدث عن هذا المذهب، وهو موجود الآن، في مثل الجزائر، وعمان، وبعض الأماكن الأخر، أيضا هذا المعز بن باديس كنس الأباضية واكتسحها. بل الاتجاهات العقلية إجمالا، معتزلة أيضا وخرها، بقايا من الأحناف كانوا موجودين، أيضا لم يبقهم، وأبقى على المذهب المالكي. بعد هذولا إجو دولة المرابطين، يوسف بن تاشفين، ونفس الكلام أيضا التزموا بالمذهب المالكي، ومنعوا وألغوا ما عداه. قلنا هذه النقطة، هي النقطة الإشكالية. فتقريبا خلصت أفريقيا الشمالية، وأفريقيا الجنوبية، إلى المذهب المالكي، وإلى الآن، يعني وجود هذا المذهب هناك وجود كبير. كذلك أيضا في الخليج، في الخليج هنا، الأكثر هم موالك، يعني في الإمارات، في البحرين، في الكويت، هم ينتمون إلى مذهب الإمام مالك بن أنس، هذا فد إجمال تاريخي، وإجمال جغرافي عن هذا المذهب.
هناك بعض الآراء اختص بها مالك بن أنس، وهناك آراء مشتركة مع سائر المذاهب الأخرى. إجمال ما يقوم عليه مذهب مالك من أصول على القرآن الكريم، الاستفادة من القرآن، من سنة النبي محمد، لذكره الشرف والصلوات، اللهم صل على محمد وآل محمد. من الإجماع، من قول الصحابي، من الاستحسان، من المصالح المرسلة، من قاعدة سد الذرائع. ومن أمثال ذلك، من الاستصحاب، هذه قسم منها مشترك مع سائر المذاهب، وقسم منها يمتاز به هذا المذهب ويختص به. سوف نتعرض إلى بعضها ونلاحظ عليه بعض الملاحظات.
عمل أهل المدينة، نسينا أن نذكره وهو مهم جدا. وهو الأساس، الفارق الأكبر بينه وبين سائر المذاهب، قضية الاعتماد على القرآن الكريم وعلى السنة، والإجماع، هذي نقطة مشتركة بين أكثر المذاهب، أحد أهم الميزات، التي اختص بها مذهب مالك، الاعتماد على أهل المدينة، مدينة رسول الله (ص) ...
محمد بن إدريس إمام المذهب الشافعي
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2027
قال سيدنا ومولانا رسول الله (ص): "من صلى علي ولم يصل على عترتي فلا صلاة له"،
هذا الحديث المروي عن رسول الله (ص)، هو الذي نظمه إمام المذهب الشافعي، محمد بن إدريس، في شعره المعروف: يكفيكم من عظيم الشأن أنكم
من لم يصل عليكم لا صلاة له
وهو أيضا مطلع حديثنا عن حياة إمام هذا المذهب، ضمن الحديث عن تاريخ المذاهب في الإسلام. المذهب الشافعي من حيث الترتيب الزمني، للمذاهب الأربعة المعروفة، هو الثالث، بعد مذهب أبي حنيفة، ومذهب مالك، يأتي حسب الترتيب التاريخي: المذهب الشافعي.
الشافعي قرشي وقيل إنه يلتقي مع النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه في الجد الأعلى، وإن تأمل بعض الباحثين، في أن قرشية الشافعي ليست بالنسب وإنما هي بالولاء. وعلى أي حال، المشهور، أنه قرشي ويلتقي مع النبي (ص)، في الجدود العالية لبني هاشم.
ولادة محمد بن إدريس الشافعي، كانت في سنة 150 هجرية، وهي نفس السنة التي توفي فيها أبو حنيفة؛ ولذلك ضمن المناكفات التي تحصل بين أتباع المذاهب عادة، يتحدثون عن هالتوقيت بين موت أبي حنيفة، وولادة الشافعي، الأحناف يقولون: لم يجرؤ إمامكم أيها الشافعية إلى قدوم إلى الدنيا إلا بعد موت إمامنا. والشوافع يعكسون المسألة، فيقولون: لم يتحمل أبو حنيفة مجيء إمامنا فمات قبل أن يأتي، وهذه ضمن المناكفات التي تحصل بين أتباع المذاهب، المهم أن ولادة الشافعي، صادفت نفس السنة، التي توفي فيها أبو حنيفة، وعاش، محمد بن إدريس الشافعي إلى سنة 204 هجرية، وهو بهذا المعنى، يكون معاصرا جدا للإمام الرضا سلام الله عليه، حيث أن ولادة الإمام الرضا قريبة من هذا الوقت، ووفاته أيضا في 203، أو 204.
بناء عليه، مثل محمد بن إدريس، عمره قصير يعتبر، مثلا: بالنسبة إلى مالك من 93 إلى 179، وبين هذا حوالي 54 سنة، تعتبر حوالي فترة قصيرة جدا، مع ذلك يعد مذهبه اليوم من المذاهب المنتشرة والواسعة، ولعلنا نتحدث عن هذا الجانب مستقبلا، كانت بدايته في الدرس كما ذكروا، أولا، بدأ في أخذ اللغة العربية، ورحل إلى البادية، وعاش فيها كما قالوا، مع قبيلة هذيل، عشر سنوات، في البادية، وهذا اكسبه قوة بلاغية، ومخزونا لغويا كبيرا، وهو شاعر من الشعراء، المهمين، يعني شعره شعر جيد، لم يذكر هذا في حق باقي أئمة المذاهب، لكن للشافعي شعرا قويا، وربما نقل عنه أنه لم يكن ينشد الشعر كثيرا لأنه لم يتعود الناس، أن يكون العالم الفقيه شاعرا، لولا أن الشعر يزري بالعلماء، لكنت أشعر من لبيد، كما نسب إليه. مع ذلك ما برز منه من شعر هو شعر قوي وجيد.
قبل هذه الفترة، بدأ بطلب العلم في مكة. لفترة من الزمان، في تلك الفترة، برز مالك بن أنس، باعتباره الفقيه الرسمي الأكبر في أيام المنصور العباسي، والدولة العباسية، وذكرنا فيما سبق كيف أن المنصور أشار عليه، أو طلب منه، أن يؤلف الموطأ، وأنه أعطاه صلاحيات واسعة، وعظمت بذلك شخصيته في المدينة، فرحل الشافعي من مكة إلى المدينة، لكي يدرس الحديث على يد مالك، مالك ذاك الوقت، كان معروف هو المذهب الأصلي الذي يعتمد على الحديث والرواة والرجال، وكان أشهر من غيره في هذا، طبعا احنا ناقشنا في هذه النقطة، في ليلة مضت، ولكن بشكل عام، كان هو المذهب المعروف، أي المذهب المالكي، في حرصه على قضية النصوص والروايات وأحاديث النبي. فجاء، قالوا: بتوصية من والي مكة، إلى مالك، أنه هذا معروف عندنا ويريد يدرس عندك، وإلى آخره. وهذا يبين أنه مالك تحول إلى شخصية من هذا النوع، اللي من يدرس عنده يحتاج إلى توصية من قبل والي آخر. فجاء وبقي يدرس على مالك. قالوا: خمس سنوات. استوعب هذا المعنى، هذا المنهج من عنده، أخذ الحديث، سمع منه، حفظه، تعلم قضايا الرجال، التي ترتبط بأمر الحديث وروايته، توفي مالك سنة 179.
بعد وفاة مالك، إلى الآن، محمد بن إدريس، ما عرف باعتباره صاحب مذهب كبير، ووضعه المادي لم يكن وضعا مريحا، لذلك قالوا: عندما زار قاضي اليمن، نبينا محمد (ص). زار قبر النبي (ص)، صادف أن اجتمع معه الشافعي، تعرف عليه، بالتالي وجد شابا، يعني في حدود 35، 38، من العمر، رجل عنده مثلا، معرفة لغوية كبيرة، وعنده أيضا معرفة فقهية، وكأنما عرف عنه حاجته المادية، وأنه وضعه المادي غير مريح، فتفاهما على أن يأتي معه إلى اليمن، لكي يعينه قاضيا في نجران. القاضي مال كل اليمن، قله تعال، أنا أعينك قاضي في نجران. أنت عندك علم ديني، وهذا مجالك، وستكسب مبلغا من المال، ليعينك على أمر حياتك. فجاء معه إلى اليمن، وصار قاضي في نجران. في تلك الفترة اللي هي فترة زمان هارون الرشيد، اليمن كان فيها هاشميون، وكان فيها حركة ضد الخلافة العباسية، أساسا اليمن شهدت في أكثر من مرحلة من مراحلها مثل هذا الأمر. ففي تلك الفترة أيضا كان هناك تحرك من قبل بعض الهاشميين، ضد الخلافة العباسية، والي اليمن اتهم جماعة، بممالأتهم لبعض بني هاشم، وأنهم يحضرون لثورة أو انقلاب أو غير ذلك، وذكر اسم الشافعي بينهم. وأن هذا لسانه يعمل أكثر مما يعمل سيف غيره، عنده لساني، قدرة لغوية، إقناع، هذا شغله أكثر من السيف. فأمر هارون أن تجلب المجموعة كلها، فأرسل عشرة أشخاص مخفورين من اليمن إلى بغداد، وبضمنهم الشافعي محمد بن إدريس.
قالوا: أنه تسعة من هؤلاء قتلوا، وبقي محمد بن إدريس الشافعي، بعد أن دافع عن موقفه محمد بن الحسن الشيباني، والفضل بن الربيع، وهو أيضا تحدث مع هارون، الباقي راحت في شيسهم. هذا تحدث في شأنه محمد بن الحسن الشيباني الذي هو التلميذ الثاني الأهم لأبي حنيفة. أبو حنيفة عنده تلامذة أهمهم، وأقواهم نفوذا، كان أبو يوسف القاضي، زمان هارون، الثاني من حيث القوة والمرتبة والوجاهة الاجتماعية، كان محمد بن الحسن الشيباني، لعله وجد في الشافعي رجل لديه علم، ومستوى جيد، فدافع عنه، وأنه إذا عنده شيء، فهو موجود حتى مثلا عند أبي حنيفة من الميل لبني هاشم، لكن هذا ما يستوجب أن يعدم بهذا السبب ..
من معالم المذهب الشافعي وآرائه
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2025
بسم الله الرحمن الرحيم: (واذكروا نعمة الله عليكم إن كنت أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا).
تقرر هذه الآية المباركة مبدأ الإخوة الدينية بين المسلمين بعدما كانوا من دون الدين أعداء، وتعتبر هذه الحالة من الألفة والأخوة، من النعم التي تستحق أن تذكر، فتشكر. ومع أن الله سبحانه وتعالى يعلم أن هذه الأمة ستصير فيها مذاهب وفرق، وستختلف في أفكارها إلا أنه مع ذلك يقرر أن هؤلاء إخوة، وأن رابطة الدين تجمعهم، وإن اختلفت بعض الآراء المذهبية فقهية كانت أو عقدية.
ولذلك ينبغي أن ينظر إلى كل علاقة مخالفة لعلاقة الأخوة على أنها على غير مراد الآية المباركة. الأخوة الحقيقية النسبية لا تقتضي التشاكل في كل الجهات وإنما قوامها أن الأخوة، هم من أب واحد، أو من أب وأم. أما بعد ذلك، فقد يختلفون طولا وعرضا ولونا وتقاطيع وأفكارا وسلوك حياة، وهذه الاختلافات في البدن أو في الآراء ما دام يجمعهم في الأخوة الحقيقية النسبية الأب، أو الأب والأم، فإن تلك الاختلافات لا تؤثر في تلك الأخوة. كأن وجه المشابهة هنا أن هؤلاء ينتمون إلى الدين والدين كما ذكرنا في وقت سابق مقومه ثلاثة أشياء: الاعتقاد بالتوحيد، والاعتقاد بنبينا محمد – اللهم ل على محمد وآل محمد – والاعتقاد بيوم القيامة. وهذه عناصر مشتركة في كل المذاهب. فما دام هذا الرابط الديني موجودا، وإن اختلفت الآراء والأفكار، كما في الأخوة الحقيقية النسبية، كذلك هو الحال في الأخوة الدينية، التي يعتبرها القرآن الكريم، بين أهل الإسلام، ولذلك ينبغي العمل على تدعيم هذا المعنى قدر الإمكان، وأن لا يقبل بعلاقة أخرى، غير علاقة الأخوة الدينية، وأن الاختلاف المذهبي لا ينبغي أن يفصم عرى الأخوة، وأن يلغي آثارها، وضمن هذا الإطار، نحن نتحدث عن هذه المذاهب، خارج إطار مدرسة أهل البيت (ع)، وداخل الإسلام، الذي يجمع الجميع، ونتمنى لو أن بقية المتحدثين من سائر المذاهب الإسلامية، تعاملوا بنفس الطريقة، فكما عرفوا مذهبهم الخاص، عرفوا المذهب المجاور لهم، المشارك لهم في الدين، المجاور لهم في الجغرافيا، سواء كان من مدرسة الخلفاء لكن يختلف عن مذهبهم، أو كان من مذهب الإمامية، لا مانع أن يتعرف المسلمون على هذه المذاهب في أفكارها، حتى يعرف وجه الاتفاق وهو كثير، وتعرف حدود الاختلاف أيضا بين هذه المذاهب.
وقد وصل بنا الكلام إلى الحديث عن المذهب الشافعي، حيث نتناول في هذه الليلة، شيئا مختصرا عن وضعه العام الجغرافي، وعن بعض آرائه وتوجهاته.
المذهب الشافعي كما ذكرنا، في وقت مضى، له نسختان: نسخة تسمى: المذهب القديم للشافعي، والأخرى: المذهب الجديد، أو الرأي الجديد، الأول، القديم، ينتمي إلى فترة العراق والمدينة، يعني إلى ما قبل سنة 199 هجرية، وفي هذا المذهب القديم، والرأي القديم، يظهر تأثر إمام المذهب الشديد بآراء أستاذه مالك ابن أنس، الذي كان يعد من ضمن مدرسة الحديث، والنص. طبيعي أن الطالب يتأثر كثيرا بأستاذه في اختياراته، حتى إذا اشتد عوده، وانفتح على مدارس أخرى، وصارت عنده توجهات جديدة، ربما وجد نقائص وأخطاء في رأي أستاذه، فترك آراء أستاذه إلى غيرها.
الإمام الشافعي إلى ما قبل وجوده في مصر، كان قد صنف وكتب وأفتى على طبق رأيه القديم، والذي يعتمد في الغالب على الروايات والأخبار تأثرا بمسلك أستاذه. فيما بعد، على أثر دراسته مع محمد بن الحسن الشيباني، حيث بقي في بغداد، فترة من الزمان، وأخذ العلم عن الشيباني وغيره، والشيباني هو ثاني ألمع طالب وتلميذ إلى أبي حنيفة، وأكبر تلامذة أبي حنيفة فضلا على مذهبه، من حيث التصنيف والتأليف والكتابة، هي من نتاج محمد بن الحسن بن محمد الشيباني، في هذه الفترة، يظهر أن الإمام الشافعي تأثر إلى حد بالمنهج العام في فقه أبي حنيفة، طرق الاستدلال، إنشاء قواعد، ابتكار كليات، تكون بمثابة واسطة للوصول إلى النتيجة، وهذا سوف نلاحظ فيما بعد أنه كثر عنده، في المذهب الجديد، ما يسمى بتقعيد القواعد. جعل قواعد، وكليات بمثابة مرجع يرجع إليه، مثلا: ذكروا في مثل هذه القواعد الأصلية: أن الأمور بمقاصدها، وهذا استنبط ربما من ما روي عن رسول الله: "إنما الأعمال بالنيات". وهذا طبق في أمور العبادة، وفي أمور المعاملات، وأن جهة العمل يمكن أن تحددها نية الإنسان ومقصد من يقوم به، هذا صارت قاعدة. وبعد في كل مكان كانت المسألة الفرعية ترتبط بهذا الموضوع، يقول: لأن الأمور بمقاصدها، خلاص، هذا صار دليل مهيأ ومرتب. أو مثلا عندما أسس، مثل: أن العادة محكَّمة، العادة محكمة، مثل ما هو عندنا في المذهب الإمامي: الرجوع إلى العرف، لو مثلا قيل لك يجب عليك أن تطعم زوجك، عليك إطعامها وعليك كسوتها، تقول: بماذا؟ بشنو أكسوها؟ بكم ريال؟ يقال لك: بالرجوع إلى العرف. في زمن قبل 200 سنة مثلا: ربما نمط معين ومقدار معين من النفقة كان يكفي، الآن يحتاج إلى شيء آخر، نظرا لأن العرف يرى أن هذا المقدار كافيا ويرى أقل منه غير كافي.
في بعض الأزمنة، قالوا، مثلا: أنه كسوة المرأة، ثوب في الصيف، وثوب في الشتاء، الآن إذا تقول لزوجتك: ثوب في الصيف وثوب في الشتاء، برز راسك إلى كذا. هذاك الكلام صحيح في زمانه، والآن كلام آخر ينبغي، ما هو المتعارف؟ وأحيانا حتى في بلد إلى بلد يختلف. بلد فيه ثراء، فيه غنىن فيه وفرة مالية، يختلف عن بلد فيه الحالة العامة، حالة فقيرة، فهنا يجي يؤسس إلك: أن العادة محكمة، ما تعود عليه الناس من إطعام، من الكسوة، هو الذي يرجع إليه في التحديد، وهذا حتى أيضا عند الإمامية، وعند غير الشافعية موجود، وإن كان بعبارات أخرى. أن الضرر يزال عندهم، مثلا، هاي قاعدة: الضرر يزال. احنا عندنا مثلا في الإمامية التعبير عنها، بقاعدة: لا ضرر، التزاما بما ورد عن رسول الله (ص) من قول: "لا ضرر ولا ضرار"، وبحوث مفصلة فيها، فهذا الفقيه لما يجي، يستنبط .....
أحمد بن حنبل إمام المذهب الحنبلي
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2026
قال سيدنا ومولانا رسول الله (ص): "يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق". صدق سيدنا ومولانا رسول الله (ص).
هذا الحديث مما استدل به إمام المذهب الحنبلي أحمد بن محمد بن حنبل، الشيباني، على حديث آخر، وقد سأله سائل مستنكرا: هل يصح حديث أن عليا قسيم النار، أن عليا قسيما النار، أو لا؟ فأجابه أحمد، بقوله: وما تنكرون من ذلك؟ ألم يروى عن رسول الله (ص)، قوله لعلي: "لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق". قالوا: بلى. قال: فأين يكون المؤمن، قيل: في الجنة. فأين يكون المنافق؟ قيل: في النار. قال: فتلك قسمة النار والجنة.
من هذا الحديث ننطلق للكلام عن حياة إمام المذهب الحنبلي، الذي ولد في سنة 164 هجرية، وتوفي في 241 للهجرة. أحمد بن حنبل الشيباني هو من حيث الترتيب في المذاهب الأربعة الرسمية، في ضمن مدرسة الخلفاء، يعد آخر المذاهب، وبعده لا يوجد هناك اعتراف بمذهب آخر، بناء على ما سبق الحديث عنه، من أن القادر العباسي، المتوفى سنة 421 هجرية، قد منع تعدد المذاهب غير هذه الأربعة، ومنع الاجتهاد أيضا، في داخل المذاهب، بأن يتخذ الإنسان رأيا مخالفا لإمام هذه المذاهب، إلا إذا كان على نحو الترجيح بين أئمة هذه الأربعة.
أحمد بن حنبل، يعد من المحدثين، أكثر مما يعد من الفقهاء. وإنتاجه أيضا في هذا الإطار أكثر، وربما لهذا السبب، لم يعده الطبري، فقيها في كتابه: طبقات الفقهاء، وإنما عده محدثا من المحدثين، نظرا لأن الفقيه في العرف هو من يستدل على آرائه، ومن يستنبط من الأحاديث، ومن تناقش أراؤه ويناقش آراء الغير، وأن هذه الصبغة، هي الصبغة الغالبة، وهذا الأمر بالنسبة إلى ابن جرير الطبري، لم يكن عند الإمام أحمد بن حنبل. وقلنا أن هذا مثلا جر على الطبري بعض المشاكل ممكن ينهجون منهج أحمد بن حنبل.
الفترة الل يعاشها فترة طويلة، ولذلك تتمدد، بحسب الخلفاء، من زمان هارون العباسي، إلى أيام المأمون، إلى أيام المعتصم، أخ المأمون، إلى أيام الواثق، ابن المعتصم، إلى أيام المتوكل، ابن المعتصم أيضا. هذه الفترة، وهي فترة طويلة، تعتبر، وفترة متحركة، في زمان الخلافة العباسية، عاش فيها إمام المذهب الحنبلي أحمد، وسنأتي على بعض ما جرى عليه فيها.
بحسب تاريخ المعصومين (ع)، أحمد بن حنبل، عاصر زمان الإمام الكاظم (ع)، والإمام الرضا، والجواد والهادي، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. أخذ العلم في البداية، والعلم بالنسبة إلى أهل هذا المنهج، يعني تلقي الحديث، فكان ينقل عنه، دأبه في تحصيل الأحاديث، والسفر إليها، هو ولادة بغداد، ولكن مع ذلك سافر إلى الحجاز، المدينة، مكة، لطلب العلم، وبقي فيها مدة، وأخذ من علمائها، ذهب إلى البصرة، أيضا كذلك، ذهب إلى الكوفة، وأيضا كذلك، وهكذا ذهب إلى اليمن. الغرض من كل هذه الجولات، هو تلقي الأحاديث، عن رسول الله (ص)، طبعا الصحابة في ذلك الوقت لم يكونوا موجودين. يعني سنة 164 ولادته، قول: إذا بدأ بعد 20 سنة، يعني 184، فلم يبق الصحابة، ولا التابعون، وإنما تلامذة التابعين، كانوا موجودين، وبالذات أئمة المذاهب الفقهية، مثلا تلميذ من تلامذة محمد بن إدريس الشافعي، إمام المذهب المعروف، وهو أيضا تلميذ إلى عبد الله بن المبارك، وهو من محدثي ذلك الزمن. وتلميذ شيخه هشيم بن بشير، وغير هؤلاء ممن عدوهم.
من النقاط الفاصلة في حياة أحمد بن حنبل، كانت قضية خلق القرآن، وهذه المشكلة، التي حدثت في زمان المأمون، واستمرت إلى أيام المتوكل، هالفترة الطويلة، مع عدة خلفاء، خلفت جروحا كثيرة في الأمة. وفيها الكثير من العبر والعظات، أهمها قبح تدخل السلطة السياسية في فرض الآراء العقائدية والدينية على الناس. أوضح مثال لقبح وشناعة تدخل السلطان والحاكم والرئيس في عقائد الناس وأفكار الناس، لازم تؤمن بهالفكرة هذه، وإذا ما تؤمن تعاقب! هذي كانت من أوضح عبر ودروس تلك الفتنة، ويا ليت أن الأمة، فهمت هذا الدرس، ولكن للأسف لم يحصل هذا. لا يزال الأخلاف يكررون نفس خطأ الأسلاف، من فرض الحاكم والسلطان الآراء العقائدية أو الفقهية، على الناس. فإذا تغير الحاكم وجاء غيره مخالفا لها، صارت ورطة جديدة. وهذا الذي حصل.
مختصرا في زمان المأمون، وزمان المعتصم، وزمان الواثق، كان هؤلاء الخلفاء يعاقبون من لم يؤمن بأن القرآن مخلوق، أي واحد ما يؤمن بأن القرآن مخلوق يعاقبونه، جلدا، ضربا، سجنا، حصل قتل أيضا. لما انقضى زمان هؤلاء. جاء زمان المتوكل، صارت السلطة تعاقب كل من قال بأن القرآن مخلوق، اللي أمس كان معزز مكرم، اليوم مهان ومسجون ومسحوب. طيب.
أنت خليفة، أنت سلطان، شغلك الأصلي، تدبير التنمية، تدبير العمران، تدبير البلد، شنو يدخلك بأن القرآن مخلوق أو غير مخلوق! خليك في شغلك، وهذه الأمور خليها ضمن من يشتغل بها في الحوارات العلمية والنقاشات المعرفية، ضمن هذا الإطار، لكن بعد، هذه التجربة المرة، خاضتها الأمة، شنو معنى هاي: فتنة خلق القرآن، خلينا أشرح إلك ولو بشكل مختصر.
لما جاء المعتزلة والمأمون تأثر بآرائهم، قالوا: بأن القرآن مخلوق، يعني شنو مخلوق؟ إجو وقالوا: هذا الكون، كل ما فيه مخلوق للخالق الواحد الأحد، أكو خالق وهو الله سبحانه وتعالى، وما عداه مخلوق، هذي فكرة، القرآن الكريم هل هو الله؟ كلا، إذا مو ربنا فإذن هو مخلوق. ما عدا الله، ومن عدا الله ، سبحانه وتعالى، هو مخلوق، والقرآن هذا أيضا مخلوق.
أهل الحديث واللي من ضمنهم أحمد بن حنبل ومن يسلك خلاف هذا المسلك، ماذا قالوا؟ قالوا: بأن هذا القرآن، هو عبارة عن علم الله عز وجل. الآن عند ما إنسان يتكلم، هو يأخذ من العلم الموجود في داخله، صحيح والله لا؟ ويعبر عنه بألفاظ. فهذا في الواقع الكلام الذي يقوله، هو تعبير عن علمه، عن مخزونه، أو إذا كتب، مؤلف يكتب كتابا، كأنما هذا يأخذ من عقله، من داخله، ويصبه عبر الكتابة، فإذن هذا الموجود في الكتاب ...
من معالم المذهب الحنبلي وآرائه
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2029
روي عن مولانا زين العابدين سلام الله عليه، أنه قال: "أعطينا ستا وفضلنا بسبع، أعطينا الحلم، والعلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار ومنا الصديق وما الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة، ومنا مهديها
في سياق حديثنا عن تاريخ المذاهب في الإسلام، بلغ بنا الحديث إلى الكلام عن شخصية إمام المذهب الحنبلي، أحمد بن محمد بن حنبل، الشيباني، وقد مر الكلام حول شيء من شخصيته وتاريخه، في ليلة مضت، وبينا جانبا من معاناته فيما سمي بفتنة خلق القرآن، وأشرنا إلى الدرس المستفاد منها، في تخطئة تدخل ذوي السلطان لقسر الناس على أفكارهم العقائدية أو مختاراتهم الفقهية، وأيضا تعرضنا إلى جانب مما روي عن أحمد بن حنبل، في شأن أمير المؤمنين علي (ع)، وبينا أن الكلمات التي قالها أحمد، قد تفوق ما قاله أئمة باقي المذاهب الأربعة، ونعتقد أنه لو بقي المذهب الحنبلي، ضمن الأسس الأولى التي وضعها وانتهجها أحمد بن حنبل، لكانت مواقف أتباع المذهب الحنبلي، بناء على هذه الأسس، وبناء على هذه الأحاديث، لكانت أكثر طراوة وإقبالا على أمير المؤمنين (ع) على وجه الخصوص، وعلى أهل البيت عموما، ولكن حدثت تطورات ومراحل مختلفة مرت على هذا المذهب، غيرت في بعض اتجاهاته، قد نتعرض إليها في أثناء الحديث.
سوف نمر مرورا على موضوع الانتشار لهذا المذهب. الباحثون ومنهم من يعتنق المذهب الحنبلي، كأنهم يسلمون بفكرة أن انتشار المذهب الحنبلي، في الرقعة الإسلامية، انتشار أضعف بكثير، من انتشار باقي المذاهب الأربعة، ولذلك فإن بعضهم عقد، مواضيع للحديث، عن سبب ذلك، لماذا كان انتشار المذهب الحنبلي، في الأمة، أضعف وأقل، من انتشار باقي المذاهب، والمقصود هنا، المذاهب الأربعة، الرسمية، معنى أن يبحث إنسان عن الأسباب، أنه قد تسلم أصل الفكرة، إذا واحد قال: لماذا كان أقل انتشارا، ومعنى ذلك لا بد أن يكون قد اعتقد أولا بأنه أقل انتشار، ثم جاء ليذكر الأسباب. وهذا طبيعي. تقول: لماذا لم يأت فلان إلى المسجد الليلة؟ معنى هذا: أنك متسلم أنه لم يأت، وأنت تبحث عن أسباب ذلك. كذلك عندما يبحث الباحث، عن لماذا كان أقل انتشارا، معنى ذلك أنه قد تسلم وآمن بأنه كذلك، وهو في صدد الحديث والبحث عن الأسباب، مع ملاحظة ذكرناها فيما سبق، أن قلة الأتباع وكثرة الأتباع، لا في الديانات ولا في الأفكار، ولا في التوجهات، ليست دليلا على صحة الكثرة ولا على خطأ القلة. عندما نقول الدين الفلاني أكثر أتباعا، لا يعني بالضرورة أنه أكثر صحة، وعندما أن المذهب الفلاني، أقل أتباعا، لا يعني ذلك أنه أقل صحة، وأنه أكثر بطلانا، كلا. ولكن الآن، الحديث حول هذه الجهة التي تساءل فيها باحثون، لماذا كان الانتشار للمذهب الحنبلي، أقل من سائر المذاهب، باعتبار الآن، المعروف أنه منتشر غالبا في الجزيرة العربية بشكل أساس وفي أماكن متفرقة هنا وهناك، لكن لا يمكن قياسه، مثلا بالمذهب الحنفي، أو لا يمكن قياسه بالمذهب الشافعي، أو بالمذهب المالكي. طيب. فلماذا كان هذا؟
بعض الباحثين، ذكر أسبابا ليست قوية في هذا الجانب، مثل القول، أنه تأخر في مرحلة الظهور، ليش؟ لأنه آخر مذهب جاء هو المذهب الحنبلي، وأولها الحنفي، فكأنما هذا القائل يقول: أن الناس بعد صارت تدينت، وتعبدت والتزمت بمذهب، خلاص بعد، اللي جا آخر شي ما إله نصيب. هذا الكلام ليس كلاما دقيقا، فإنه لو كان صحيحا، لكان مذهب الشافعي، اللي هو الثالث، لازم يكون بعد قليل الأتباع، لأنه جاء بعد الحنفي وبعد المالكي، والحال أنه ليس كذلك، ولازم يكون المذهب الحنفي، ما دام أنه أول واحد، يحوش الجميع، وهذا ليس صحيحا. ثم إن هذا النوع، مو مجموعة معينة محصورة، لنفترض 20 نفر، هذا هم، وتجيب ليهم مذهب ويتوزع عليهم، وإنما هي أجيال متتابعة وقرون مختلفة. فكل قرن من الممكن لما يجي، أن ينظر إلى المذاهب كلها، بعد سنة 240 كل الناس اللي إجوا، يجون ينظرون أن هناك أربعة مذاهب، فيقومون بالاختيار، فهذا ليس سببا واضحا وقويا. لكن ذكروا بعض الأسباب الأخر، فيها جانب على الأقل من الصحة، واحد من الأسباب ما ذكره ابن خلدون المغربي صاحب المقدمة. المتوفى سنة 808 هجرية، يقول: كان سبب ذلك قلة تعرضه للاجتهاد والتزامه بمحض الرواية. هذه الفكرة وهو أن المذهب الحنبلي، كان يعتمد اعتمادا كبيرا على الروايات، حتى صار كأنما الاسم المتداول عنه وعن أتباعه، أهل الحديث، وأخذ أصلا مكان مالك. مالك بن أنس، أول ما جاء، جاء بكتاب الموطأ، وأهم ميزة كانت عنده، يفترض أنه كان يعمل بروايات رسول الله (ص). هاي أهم ميزة جاء بها. الحنابلة والإمام أحمد عندما جاء، لكثرة ما كان عمله بالروايات، ولكثرة حفظه للروايات، فارق كبير بين مسند أحمد اللي أقل ما قيل فيه، قيل فيه: 27 ألف حديث، وبين موطأ مالك اللي 1720 حديث، وحفظ أحمد كان أكثر، معرفته بالرجال كذلك، ممارسته. فأخذ هذا الطابع، هذه الفكرة: عدم عمله بالاجتهاد والاستنباط واقتصاره على الرواية، الحنابلة يعدونها نقطة قوة. إلى الآن يرونها نقطة قوة، أنه احنا ما عندنا حجي مال هذا رأي فلان، وفلتان، وإنما هي أحاديث رسول الله، فهي نقطة قوة يعدونها، من يخالف هذه الفكرة، يقول: هذه من الأسباب التي جعلت المذهب، لا يستطيع أن يتحرك في المستجدات كثيرا، وبالتالي ما كان عنده مرونة كافية، مثل رأي ابن خلدون، والناس يريدون مذهبا قريبا إلى الحركة والاجتهاد، ويلبي النوازل وما يضيق حركتهم ومساحة عملهم. هذا واحد من الأسباب التي تذكر.
سبب آخر يذكر في هذا الجانب، أن المذهب الحنبلي اختلف عن باقي المذاهب، بأن المذاهب الأخر، مثل: الأحناف، والشافعية، والمالكية، بقيت مذاهب فقهية، بقيت كمذاهب فقهية، ما إلها شغل زايد في الموضوع العقائدي والكلامي، بينما المذهب الحنبلي، لا سيما في التطور الذي طرأ عليه، في بعض المراحل ...
التشيع من التأسيس إلى نهاية القرن الرابع
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=1995
قال سيدنا ومولانا رسول الله (ص)، لما نزل قوله تعالى: (أولئك هم خير البرية)، قال: "والذي نفسي بيده، يا علي، أنت وشيعتك الفائزون"،
بعد أن انتهينا من الحديث حول المذاهب الأربعة، نشرع في الحديث عن الإمامية أو الجعفرية أو الشيعة، وكلها أسماء المقصود منها مذهب معين. في البداية، سوف نحاول أن نعطي تعريفا لهذه اللفظة، ثم الأسس التي دعت إلى انبثاق التشيع والشيعة، وبعد ذلك نمر مرورا سريعا على تاريخ هذا المذهب. إن اتسع الوقت. إلى القرن الرابع الهجري، إن شاء الله تعالى.
من الواضح، وهذا قد ذكرناها في أول الأحاديث، أن الأمة الإسلامية، فيها طائفتان كبيرتان، هما أهل السنة، والشيعة. فما هي هذه الفئة التي تجاور أهل السنة، أتباع مدرسة الخلفاء، في مناطق العالم الإسلامي المختلفة. وكيف تأسست، على أي أساس؟ وما هو تاريخها.
في اللغة يعرفون الشيعة بالمعنى اللغوي، بمعنى الأنصار. شيعة الرجل: أنصاره، أتباعه، من يكونون حوله، وسموا بشيعة علي، ضمن هذا الإطار اللغوي، القرآن الكريم، استخدم هذه اللفظة، أيضا بهذا المعنى، بمعنى: الأنصار، الجماعة، المحيطون بالشخص، الأتباع، في قول الله عز وجل، بعد أن حكى قصة نبي الله نوح، على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، تعقب ذلك الحديث عن نوح، بقوله: (وإن من شيعته لإبراهيم)، يعني من شيعة نوح، من أتباعه، من أنصاره، ممن هو على منهجه، إبراهيم. وهكذا في قصة نبي الله موسى، عندما جاء إلى اثنين يعتركان، واحد من بني إسرائيل، وهم أنصاره، وقومه، وآخر من الأقباط، وهم قوم فرعون. يقول القرآن الكريم: (فاستغاثه الذي هو من شيعته على الذي هو من عدوه)، يعني هذا الذي هو من جماعته، استنجد بموسى، استغاث به. وأيضا في كلمات المعصومين، أيضا جاءت بعنوان الأنصار، والجماعة والأتباع. ففي خطاب الإمام الحسين (ع) للجيش الأموي، قال: "يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم". يعني يا أنصار آل أبي سفيان، يا جماعة الأمويين، فهذا هو المعنى اللغوي.
يوجد معنى اصطلاحي، يرتبط بعلم الرجال، في الأفق غير الشيعي، فعندما يوصف عندهم شخص بأنه يتشيع، أو شيعي، أحيانا يجي يوصفه مثلا أنه ثقة أو صدوق، أو غير ذلك. أحيانا يضيف هذه الكلمة، أو يجعلها بديلا عن تلك الكلمات. في اصطلاح الرجاليين غير الشيعة، يعبرون عن الشيعي بمن لا يميل إلى بني أمي، ومن يفضل عليا على عثمان. إذا واحد ما يؤمن بالتسلسل في التفضيل على أن أبا بكر وعمر ثم عثمان ثم علي هو ترتيب الفضيلة، فيخربط في هذا مثلا، فيجعل عليا أفضل من عثمان، يقولون هذا شيعي، أو يتشيع. وبعضهم يعد هذا مثلبة.
خارج هذا الإطار، في الاصطلاح، الشيعة، هم، إذا الشيعة على نحو الإطلاق، عادة ينظر إليهم على أنهم الإمامية أو الجعفرية. عندما يقال رأي الشيعة كذا، عقيدة الشيعة كذا، فالمقصود أولا وبالذات، الشيعة الإمامية، الذين يؤمنون باثني عشر إماما، وقد يعبر عنهم بالجعفرية، بالرغم من أن كلمة الشيعة تشمل أيضا بعض المذاهب التي لا تزال موجودة. مثل: الزيدية، ومثل الإسماعيلية. في بعض فرقهم، هؤلاء ضمن الشيعة بالمعنى العام. وهم الذين يؤمنون بعلي (ع)، وبالحسنين، ثم بعلي بن الحسين. وبعد ذلك، مثل الزيدية، يأخذون الإمامة في زيد الشهيد، والإسماعيلية يواصلون إلى الإمام الصادق، ومن الإمام الصادق يذهبون إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق. أيضا هؤلاء شيعة بالمعنى الأعم، تشملهم. ولكن الشيعة بالمعنى الأخص، وأحيانا إذا أطلق، لأنه صار علما على الإمامية، والجعفرية، يقال: هذا شيعي، يعني إمامي. إمامي، يعني جعفري، وهكذا، هذا في الاصطلاح الآن: ممن يقدمون عليا (ع) على سائر الخلفاء، ويرون أنه الأجدر بالخلافة، إما بالنصب والنص والتعيين، كما هو رأي الإمامية، أو بالإشارة وعدم التصريح، كما في بعض فرق الزيدية، وهذا يحتاج له حديث خاص.
كيف وجد التشيع ومتى وما هي المبررات؟
تارة نتحدث عن المبررات التي ترتبط بحديث النبي (ص)، وأخرى نتحدث عن تاريخ النشأة، وسنعرض إلى كل منهما بشكل مختصر. مبررات نشوء هذا التوجه، من أيام رسول الله (ص)، كما سيأتي في القضية التاريخية، أن فئة من المسلمين، الذين التفوا حول رسول الله، وحول علي بن أبي طالب (ع)، وعليهما السلام، رأوا أن هناك أحاديث عن النبي (ص) ملزمة لهم لا يستطيعون عنها محيدا. فمن ذلك، حديث الثقلين، الذي رواه المسلمون، بفرقهم المختلفة، يعني موجود في صحيح مسلم هذا الحديث، في مسند أحمد، في صحيح البخاري، بل نقل عن ابن حجر في الصواعق المحرقة، أن لهذا الحديث قريب من 20 طريق. وبالتالي يعتبر من الأحاديث القوية، ومن المتأخرين، صرح الباني أن هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة، وبأسانيده وبشواهده. وقد ذكرنا في وقت سابق ماذا معنى أن يكون الحديث صحيحا بالسند، وبالشواهد.
في هذا الحديث يصرح النبي، بأنه سيترك في الأمة، ويخلف في الأمة، ثقلين، إن تمسكت الأمة بهما، لن تضل من بعده أبدا. وأن هذين الثقلين لن يفترقا إلى يوم القيامة. عندما سمع من النبي بعض أصحابه، مثل هذا الحديث، وجدوا أن أعناقهم مرهونة، بهذا الحديث، ما يقدرون بعد يتحركون، لأن فيه نص، على أن النجاة متوقفة على الثقلين، لا على واحد منهما، لا على طريقة: حسبنا كتاب الله، وإنما على طريقة: ما إن تمسكت بهما، مو به. وهذا الفرق، ذا منهج، وهذا منهج آخر. هنا بهما، لن تضلوا. يعني لو تمسكتم بواحد منهما دون الآخر، ستضلون. لو لم تتمسكوا بأي منهما، أيضا سوف تضلون. الحالة الوحيدة التي ستحصل فيها النجاة وعدم الضلال، هو أن تتمسكوا بهما معا...
رؤية في صلح الإمام الحسن بن علي
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=viewcat&pid=1
نبارك لسيد الخلائق النبي المصطفى ولوصيه المرتضى ولابنته الزهراء ولسيد الشهداء والأئمة النجباء، ذكرى ميلاد سبط رسول الله، الحسن بن علي أمير المؤمنين، صلوات الله وسلامه عليه، ونسأل الله سبحانه وتعالى، الذي أكرمنا بمعرفته، أن يكرمنا بشفاعته ومرافقته في الجنان، إنه على كل شيء قدير.
يتناول حديثي شيئا من الرؤية حول مصالحة الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه، وقد كنا تحدثنا في سنة ماضية، عن سيرة حياته إجمالا، ومررنا مرورا سريعا على موضوع الصلح، ونحتاج أن نتوقف وقفة قصيرة، أمام هذه الحادثة التي بدت فيها حكمة الإمام عليه السلام، وقدرته على إدارة المعركة السياسية.
كمقدمة لهذه الرؤية في الصلح، نشير إلى أن البشر تطور من حالة إلى حالة، كانت طريقة البشر في القديم، أنهم يخذون حقهم، بل وغير حقهم بقوتهم. من كان يمتلك القوة، كان يأخذ حقه، وأحيانا كثيرة غير حقه، ومن كان ضعيفا في هذا الجانب، كان مسلوب الحق عادة.
تطور هذا فيما بعد، من حالة فردية، إلى حالة دول، بحيث أصبحت الدولة الأقوى تأخذ ما تريد من جيرانها، كأراض، وأموال، وغنائم، والقبيلة الأقوى أيضا كذلك، بعامل القوة، لذلك نشبت في البشر حروب كثيرة، كان عاملها الأساس، أنها تريد السيطرة على سائر المناطق، أراضي، وأموال، واستلابا وما شابه ذلك.
وقد ذكرنا في ليال مضت، كمثال على ذلك: الحملة المغولية، على البلاد الإسلامية، باتجاه الغرب، وعلى غير الإسلامية، باتجاه الجنوب.
مع تقدم الإنسان في العلم والمعرفة، ومع سيادة شيء من التحضر، توصل البشر إلى أن أخذ الإنسان لمصالحه، وحقوقه، بالقوة، يؤدي إلى خسائر عظيمة لدى الإنسانية، نظرا لتطور الأسلحة، التي أصبحت تبيد مئات وألوفا وعشرات الألوف. لم يعد هذا الطريق، في نظر البشر منسجما ومتلائما مع الحالة الإنسانية، التي تطور إليها الإنسان، وأصبح هناك بديل آخر، وهو أن تسعى الجماعات والدول والقبائل للحصول على حقوقها من خلال التفاوض والتفاهم والاتفاق. فإن هذا كلفته قليلة وفي نفس الوقت، من كان أكثر ذكاء، وأكثر حكمة، وأكثر صبرا وقدرة على إبداء حجته، هو الذي ينتصر في النهاية، فما عادت القوة إلا لخدمة المفاوضات، ما عادت القدرات العسكرية نافعة لو لم يكن وراءها، قدرة سياسية ودبلوماسية، وقانونية، قادرة على أن تستفيد من الظرف، ولذلك، أصبح في عالم اليوم مثلا وزير الخارجية، أكثر أهمية من وزير الدفاع، مع أن هذا وزير الخارجية، في كل بلد، لا يملك حتى مسدسا، ولكن وزير الدفاع، في كل بلد، لا سيما الدول العظمى، يمتلك مئات الطائرات وآلاف الدبابات وما شابه ذلك. ولكن دور هذا الوزير المجرد عن السلاح أقدر على في نفع بلده من ذلك الوزير الآخر.
وهذا راجع إلى أن البشر التفت إلى أن القوة الحقيقية هي قوة أن يقنع هذا الطرف ذاك الطرف، وأن يدير أمر المفاوضات معه بشكل سليم، لا تحل القضايا على طريقة البشر الأقدمين، من كان يملك سلاحا أقوى يستخدمه فورا، فيبيد هذا الجنس، أو هذه الفصيلة أو هذا المجتمع.
لو أردنا أن نبني على هذه المقدمة، سوف نرى أن وثيقة الصلح التي عقدها الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه، مع معاوية بن أبي سفيان، من أكثر الوثائق ذكاء وحكمة، بدت فيها قدرة الإمام الحسن (ع) في أن يقرر ولو على سبيل النظرية والاتفاق القانوني، أن يستحصل كل ما كان يريد، وأن يمنع خصمه عن تحقيق ما كان يريد. لعلك تقول: لكن هذا لم يتم على أرض الواقع! لأن معاوية لم يف وولم يلتزم بما كان قد وقع عليه.
والجواب على ذلك: هي مرحلتان. المرحلة الأولى: أن تصوغ وثيقة قانونية وافية بما أنت تريده من مطالب. المرحلة الثانية: أن يلتزم بها الخصم وأن يطبقها. الأمر الأول بيدك، لكن الأمر الثاني، ليس بيدك. لا أحد يستطيع في أي مجتمع، أن يقول: أنا أستطيع أن أضمن أن الطرف الآخر، سيلتزم بهذا الاتفاق إلى آخر عمره. بعدما وقع، تحصل ظروف، يغير رأيه. يتغير الحكم، تتغير الاتفاقية، لأي سبب من الأسباب. وهذا لا يضير الإنسان أن يعقد اتفاقا. أنت تكون مع تاجر فتصوغ اتفاقية تجارية معه، لا تستطيع أن تضمن أنه سوف يطبقها حرفيا إلى عشر سنوات، لكن الذي تستطيعه هو أنك تصوغ اتفاقية مربحة لك. الذي حصل بالنسبة إلى إمامنا الحسن (ع) هو هذا. فلنقرأ شيئا من هذه البنود بعد الصلاة على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد.
في الخبر التاريخي دعا الحسن بن علي بكاتبه فكتب: هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب، مع معاوية بن أبي سفيان. أول خطوة: ذكاء الإمام الحسن (ع) حكمته، دعته إلى أن هو يصوغ الاتفاقية، لا أن هو الذي يوقع عليها. من يبدأ بصياغة المسودة كما يقولون، يوجه الاتجاه بالنحو الذي يريد. لذلك يحرص الحكماء والعاقلون في مثل هذه الموارد، أن تكون الصياغة التي اختاروها، هي الصياغة التي سوف يتم التوقيع عليها، حتى لو تم التغيير فيها. من نقاط القوة في الاتفاقيات، أن هذا الطرف هو الذي يصوغ الاتفاقية، ويقدمها للتوقيع، حتى لو تم التغيير فيها. نفس صياغة الاتفاقية من طرف هو نقطة قوة بالنسبة له. وهذا ما صنعه الإمام. دعا بكاتبه، فكتب، والإمام الحسن يملي، هذا ما اصطلح عليه الإمام الحسن بن علي ومعاوية.
نقطة شكلية أيضا، تقديم وتأخير الأسماء أيضا كذلك، عادة الذي يرى نفسه، أولى بالحق، أو أعلى منزلة، يقدم اسمه، أما إذا رأى الطرف الثاني هو الأعلى منزلة، يقدم اسمه، ولذلك حتى في الرسائل مثلا، الخليفة إذا كان يريد أن يوجه رسالة إلى الوالي يقول من الخليفة فلان إلى الوالي فلان، فلو عكس الأمر، هذا شيء غير صحيح. الإمام الحسن (ع) قدم اسمه الشريف على سام معاوية. وكأنه يقول: أنا أفضل منك، ,أعلى منك منزلة، النقطة الأولى. على أن يسلم إليه ولاية أمر المؤمنين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه محمد (ص).
من معالم المذهب الجعفري وآرائه
تفريغ نصي الفاضلة أم رضا الدبيسي
تصحيح الأخت الفاضلة افراح البراهيم
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2032
1/ مسألة مرتكب الكبيرة وفيه عدة مسائل :
1 _ ما هو عنوان هذا الشخص ، هل هو مؤمن مطلقًا أم هو كافر أم هو بين البين ، نفترض أنّ أحدهم شرب الخمر ، وهو كبيرة من الكبائر التي توعّد الله فاعلها بنار جهنم ، الآن هل يسمّى مؤمنًا أم يسمّى كافرًا أم شيءُ بينهما .
2_ وكذلك في نفس الوقت لو أنّ هذا الشخص مات ولم يتب إما عنادًا أو لم يمهله الوقت ، كأن شرب ذاك المسكر من جهة فأصابته جلطة من جهة أخرى ، فمات غير تائب عن تلك الكبيرة التي ارتكبها ، ماذا يكون مصيره بحسب القواعد الكلامية ؟؟ هل يكون في نار جهنم خالدًا فيها أم لا غير ذلك ؟؟
3 _ مسالة الإحباط لو أنّ شخصًا من هذا النوع عمل كبيرةً من الكبائر وكانت في آخر عمره ، في السنة الأخيرة بدلًا من قضائها في العبادات والأعمال الصالحة ، هل هذه الكبائر تمحو ما قبلها ؟ وتحبط ما سبقها أم لا ؟؟
رأي الإمامية
1/ بالنسبة لعنوان هذا الشخص مسلم أم كافر
يتفق الإمامية مع المعتزلة في أنّ مرتكب الكبيرة لا يُطلق عليه عنوان الكافر كما ذهب اليه الخوارج ، حيث أنّ الخوارج يقولون بأنّ من ارتكب كبيرة فهو كافر ولا يقبلون كلام الأشاعرة وأهل الحديث الذين يقولون بأنّ شارب الخمر لا يطلق عليه كافر، بل هو رجل مؤمن ولا يسلب عنه عنوان الإيمان .
رأي المعتزلة
في بداية تبلورهم أخذوا موقفًا منه وقالوا: إنّه في منزلة بين المنزلتين لا هو بالمؤمن ولا هو بالكافر .
الإمامية أيضًا قالوا بأنّه لا يمكن تسميته بالكافر لأنّ الكفر يخرج من الملة
ولأنّ الكافر هو الذي لم يتشهّد الشهادتين , فهو لازال باقيًا معتقدًا بوحدانية الله وبنبوة رسول الله محمد "ص " فإذن لا يمكن أن نسميه كافرًا ، وأن يكون مؤمنًا على نحو مطلق فهذا أيضًا غير معقول ؛ لأنّ الإيمان مشروط بالالتزام ، فهذا مسلم فاسق ، أو إذا كنا لا نريد التفريق بين الإيمان والإسلام كما هو في بعض الآيات القرآنية ، فهناك درجات وضعت ، فجُعل الإسلام في مرتبة والإيمان في مرتبة أخرى ، قال تعالى ( لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم )2 هنا إذن تفريق.
ولكن في الخطابات الشرعية الأخرى لا يوجد تفريق ( يا أيّها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا )3
أيّ مسلمٍ هنا فهو مخاطب بالذين آمنوا ، فإما أن نقول هذا مسلم فاسق أو حتى مؤمنُ فاسق بناءً على ما جاء في الخطاب القرآني ( يا أيها الذين آمنوا ) فهذا مؤمن ولكنه فاسق ، يعذّب ويعاقب على هذا الفعل ، فهنا اتفق المعتزلة مع الإمامية .
2/ بالنسبة لخروجه من الدنيا ولم يتب من الكبيرة التي عملها ، مات ولم يستغفر ربه عن شرب الخمر ، مات ولم يستغفر عن فعل الزنا وعن سائر الكبائر ،
المعتزلة يقولون إنّ مصيره الخلود في النار إلى ما شاء الله ، أما الإمامية يخالفون المعتزلة في هذا ويقولون : كلا، ويتوافق معهم الأشاعرة وأهل الحديث ، فالخلود في نار جهنم خاص بالجاحدين لله عز وجل ولنبوة رسوله محمد "ص" وأما من كان مسلمًا مقرًا بالشهادتين فهذا لا خلود له في النار ، وإنما يحاسب ويعاقب ، ففي بعض الروايات أنّه يؤتى بشارب الخمر يوم القيامة وفي عنقه عدد القناني والزجاجات التي شربها من الخمر وهي تتصادم فهنا تبدأ الفضيحة ، ومن ثم يردّ إلى العذاب والنكال والسياط ونار جهنم ولكن لا يخلد ،فيجب على الإنسان ألّا يغرر بنفسه لأنّه لا يعلم كم سيبقى فيها من ملايين السنين أو أكثر، وذلك بمقاييس الآخرة وليست بمقاييس الدنيا ،لكنّ المعتزلة قالوا بخلوده في النار بما أنه قام بعمل جريمة وكبيرة من الكبائر فإنّه ينسى في نار جهنم خالدًا فيها ، بينما الإمامية لا يقبلون هذا بل يقولون إنّ الخلود في النار خاص بالكفرة ، وهذا الذي قام بفعل هذه الكبائر يبقى مدة من الزمان يعذب في النار ، ثم بعد ذلك يُخرج منها
فهنا الاختلاف بين الإمامية والمعتزلة .
3/ المسألة الثالثة هي مسألة الإحباط ، فالبعض يقول أنه من ارتكب الكثير من المعاصي في بداية حياته ، ثم آن الأوان إلى التوبة والاستغفار لله حيث لم يبق من العمر إلا القليل وتلك السيئات التي فعلها حاول أن يبدلها بالحسنات ،وقام بقضاء ما فاته من الصلوات والصيام والتقرب لله قدر الإمكان ، والبعض يكون من منتكسي الفطرة ، فيكون بعد أن كان في شبابه طيبًا مؤمنًا في أواخر حياته يصبح إنسانًا سيئًا أو ربما على أثر رفقة سيئة غير حسنة يزيّنون له الشهوات فيتّبعهم ، فهل هذه الأعمال السيئة التي ارتكبها تمحو ما سبق من الأعمال الحسنة أم لا ؟
رأي المعتزلة
يقولون بالإحباط ، حتى لو كان هذا الشخص قضى خمسين سنة قائمًا مصليًا حاجًا معتمرًا زائرًا ومستمرًا في عمل الصالحات ، ثم جاء في سنته الأخيرة وعمل ما عمله من الكبائر فإنها تمحو كلّ ما سبقها ، حيث أنّ العمل السيء المتأخر يحبط ما قبله.
رأي الإمامية
الإمامية تقول بأنّ فضل الله سبحانه وتعالى يتجلى في موضعين :
الأول/ ماورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله (اتبع السيئة الحسنة تمحها )4
فإذا عملت عملًا سيئًا اعمل بعده عملًا حسنًا فإنه يمحو ذلك العمل ، فإن اغتبت شخصًا استغفر الله فالاستغفار حسنة تمحو السيئة بمقدار ما يرتبط بالله يبقى حق ذلك الإنسان ، ، وإن قلت كلامًا سيئًا ، أو نظرت نظرةً محرمة استغفر الله وصلّ على محمد وآل محمد ، فهذه الأعمال الصالحة تمحو الأعمال السيئة فيما بعد.
الثاني / في قوله تعالى ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إنّ الحسنات يذهبن السيئات )5 ، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى فإنّ كل شيء له حساب فإذا أذنبت بمعدل سنة ، وعملت الكبائر فإنَ حسابها محفوظ وعذابها باق ، ولكنّ الخمسين سنة من الأعمال الصالحة لا تُحبط ولا تُمحى ، وإذا غلبت حسناتك سيئاتك ، أي رجحت كفة الحسنات سيكون هناك عتاب ،لماذا عملت هذه الاعمال بنهاية عمرك ؟؟؟ ثم بعد ذلك يكون مصيرك الجنة ..
المذاهب الإسلامية بين التواصل والقطيعة
تفريغ الفاضلة / فاطمه الخويلدي
تصحيح الفاضلة أفراح البراهيم
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=1999
روي عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال ( من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدين )1
حديثنا سيكون حول المذاهب الإسلامية بين التواصل العلمي والقطيعة ، والصورة المثالية التي ينبغي أن يطمح إليها المسلمون في العلاقة بين المذاهب .
العلاقة بين المذاهب الإسلامية تتأطّر بثلاثة أطر :
1/ الإطار الأول : التوافق السياسي في القضايا الكبرى.
2/ الإطار الثاني : التعايش الاجتماعي بين أبناء هذه المذاهب.
3/ الإطار الثالث : التواصل العلمي بين الفقهاء والخبراء.
هذه الصورة المثالية التي ينبغي أن يطمح المسلمون من الوصول إليها .
1/ الإطار الأول : التوافق السياسي في القضايا الاجتماعية
من الواضح أنّ هناك قضايا كبرى تخصّ الأمة الإسلامية ، و هناك بعض القضايا تخص الأقليات الإسلامية حيث تتعرّض للاضطهاد من قبل الوثنين ، أو من قبل بعض القوى الكافرة ، وهذه نقطة اشتراك بين جميع المذاهب ، باعتبار أنّ أولئك مسلمون وهؤلاء مسلمون فينبغي أن تكون العلاقة بين المذاهب الإسلامية معاضدة لهذه الأقليات والفئات المسلمة ، حيث تتعرّض بعض الجاليات المسلمة للمسخ الثقافي وإلغاء الهوية الفكرية ، وهي تحتاج إلى رفد ومعاونة ويفترض أن تكون هذه القضية مشتركة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم ، والصورة المثلى أن تتعاون هذه المذاهب في الحفاظ على هوية هؤلاء المسلمين وحمايتها من الذوبان في تلك الأجواء.
أيضًا من بعض القضايا السياسية الكبرى قضية فلسطين و شعبها المشرّد وأرضها المحتلة يفترض أن تكون هذه القضية ذات طابع إسلامي حيث أنّ شعبها مسلم إضافة إلى وجود الأماكن التاريخية التي ترتبط بتاريخ المسلمين .
هذه القضايا وأمثالها يفترض أن تكون همًا مشتركًا بين المذاهب على اختلاف توجّهاتهم الفكرية لكن يجب أن تتفّق رؤيتهم هنا ، ولكنّ الملاحظ في بلاد المسلمين أنّ الكلمة هي لأهل السياسة وليست لزعماء المذاهب ، وفي الغالب زعماء المذاهب محكومون من قبل صاحب القرار السياسي و أحيانًا موظّفون ، ونظرًا لهذه الجهة فقد تختلف في كثير من الأحيان إرادة الجهات السياسية ومصالحها وآراؤها ، وزعماء المذاهب هم تابعون في قرارتهم لا يستطيعون فعل شيء، بل ربما في بعض الأحيان يحصل بناءً على تضارب المصالح السياسية نوع من الهجوم بين فئتين مسلمتين ومذهبين مسلمين ؛ لأنّ السياسيين في هذا البلد أو ذلك البلد ليسوا على وفاق.
نرى أنّ زعماء المذاهب في هذا الإطار لا يملكون التأثير الكبير.
2/ الإطار الثاني: التعايش الاجتماعي بين الفقهاء والخبراء
التعايش الاجتماعي يعني أنّ الأفراد مختلفي المذاهب لكنهم يعيشون في بيئة جغرافية واحدة فزيد ينتمي للمذهب الإمامي، وعمر للمذهب المالكي ، وبكر للمذهب الحنبلي ، وهؤلاء بإمكانهم أن يجعلوا العلاقة بينهم علاقة هادئة ، كما أنّ بإمكانهم أن يجعلوا العلاقة متشنّجة ، إذ أنّ وجود اختلاف مذهبي لا يكون سببًا دائمًا لجعل العلاقات في حالة من التشنّج.
وكما نرى لا يوجد مجتمع واحد يدينون لمذهب واحد وتختص به ، فلا نجد إمارة فلانية تدين بالمذهب الحنبلي فقط ، ولا مدينة واحدة تدين بالمذهب الإمامي فقط ، وإن كان فهو في فئات قليلة ، كما نرى في مدرسة الصحابة وقد تعايشوا وعملوا مع بعضهم البعض وحرّكوا الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك في الأحساء توجد المذاهب الأربعة المشهورة عند أهل السنة وكذلك يوجد المذهب الإمامي وقد تعايشوا مع بعضهم البعض متجاوزين الاختلاف المذهبي.
وكذلك في مدينة الكوفة تختلف المذاهب والتيارات والآراء والأشكال وتمّ التعايش فيما بينها حيث ازدهرت الحياة فيها ولم يشكّل الاختلاف عائقًا للتعايش ، ونستطيع أن نقول أنّها حالة تعايش معقولة ، و هي مرتبطة بإرادة الناس محقّقين قوله تعالى ( لكم دينكم ولي دين )2 وهذا في أسوأ الحالات.
نحو تعايش اجتماعي أفضل
1/ يمكن للتعايش الاجتماعي أن يرتقي بشكل أفضل إذا اعتقدت أنا الذي أدين بالمذهب الإمامي أنّك إنسان تدين بالمذهب الحنفي ولك الحرية في اعتقادك، و ليس لي حق في معاتبتك فأنت ترى أنّ الحنفية هي طريقك للجنة فاثبت على ما أنت عليه ، وكذلك من هو على المذهب المالكي أو الشافعي ،، وهكذا نحن في النهاية كلنا صادقون مع أنفسنا ونيّاتنا حسنة ولا حاجة لمنازعة الآخر في اعتناقه لهذا المذهب أو ذاك ، بل نحن نحترم بعضنا البعض ونكبر في بعضنا هذه العلاقة من الاحترام للمذهب ، ولا نتّبع المصلحة في ذلك ، بل لدينا قناعة في أنّ ما ننتمي إليه من مذهب يوصلنا للجنة ، إذًا كلٌ منا يحترم اختيار الآخر لمذهبه بل ونسعى من أجل أن نسعد في حياتنا ونعمّر بلادنا.
2/ لضمان تعايش اجتماعي سلمي بين المذاهب ينبغي العمل على توعية وتثقيف المجتمعات بهذه الثقافة ، وكلما زادت محطات التوعية ازدادت العلاقة ترابطًا ومحبة وأصبحت المجتمعات أكثر تعايشًا.
الإطار الثالث: التواصل العلمي بين علماء المذاهب
من الأمور المهمة والنافعة جدًا التواصل العلمي بين فقهاء المذاهب ؛ لأنّه كلما ارتفع المستوى الثقافي والعلمي قلّت المشاحنات والتشنّجات ، فكل عالمٍ يستطيع أن يقرأ لذلك العلم ، وذلك يستطيع أن يفهم وجهة نظر الآخر وطريقة استدلاله ، لأنّ أهل العلم يفهمون على بعضهم وكيف استدلّ أحدهم على قضية من القضايا وإن كان يختلف معه في قبولها .
التواصل العلمي في هذا الوقت الراهن قليل جدًا ومن بعض الأمثلة على ذلك وجود ما يسمى ( مؤتمر للفقه الإسلامي ) هذا المؤتمر ترعاه رابطة العالم الإسلامي ويضمّ كل المذاهب الإسلامية المعروفة حيث يعقد كل سنة أو كل سنتين ، ويطرح فيه القضايا الفقهية الهامة لا سيما ما يسمى ( الاستفتاءات الجديدة مثل ( بنوك الدم، بنوك الحليب، الاستنساخ، التلقيح الصناعي ) ...
من معالم المذهب الزيدي وآرائه
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://al-saif.net/?act=av&action=view&id=2001
روي عن سيدنا ومولانا أبي عبد الله جعفر الصادق، صلوات الله عليه، وقد وصل إليه خبر مقتل عمه زيد، قال: "رحمه الله، كان مؤمنا وكان عالما، وكان عارفا وكان صادقا، ولو ظفر لوفى".
ضمن حديثنا عن تاريخ المذاهب في الإسلام، نتحدث بإذن الله تعالى، عن المذهب الزيدي، الذي ينسب إلى زيد الشهيد، ابن الإمام علي بن الحسين السجاد، عليهم السلام، ونتعرض إلى بعض ما يرتبط به من آراء، ومميزات.
في البداية، لا بد أن نقول أن النسبة إلى زيد الشهيد، كما يقول أتباع المذهب، هي نسبة اعتزاز وتشريف، أكثر مما هي نسبة تأسيس وتكوين. وبعبارة أخرى: باقي المذاهب تنسب إلى إمامها الأول، المؤسس، باعتبار أن هذا الإمام المؤسس، وضع حدودها، وأفكارها، وقواعدها الأساسية، ثم يأتي باقي العلماء المنتمين لهذا المذهب، فيبنون على ما أسسه ذلك الإمام الأول. على سبيل المثال، عندما يأتي أبو حنيفة النعمان، إمام المذهب الحنفي، ينظِّر لفكرة العمل بالرأي، والعمل بالقياس، وأنه نظرا لضيق المساحة، النصية والحديثية، لا بد من الاجتهاد، وإعمال الرأي، وقياس العلل، وما شابه ذلك، فيضع هذا المبدأ، وهذا المبنى، كأساس لمذهبه، فيأتي بقية العلماء الأحناف، فيما بعد، ويبنون على هذا الأساس الجاهز.
الشافعي مثلا، عندما يأتي ويبني على أساس توسعة الأخذ بالحديث النبوي، من دون أن يعتمد على الأحاديث الضعيفة والمرسلة، يقرر قاعدة هنا، وأساس، فيأتي بقية العلماء، الذين ينتمون إلى هذا المذهب، ويبنون على هذه القواعد، وغالبا المذهب يكون قد تأسس في أبعاده المختلفة، وفي قواعده قبل وفاة هذا الإمام، وهذا واضح فيما ذكرنا ومن ذكرنا من أئمة المذاهب ومذاهبها.
بالنسبة إلى المذهب الزيدي، الباحثون يقولون، أن الإمام زيد لم يضع منهجا فقهيا خاصا، أو قواعد مرتبة، بحيث يأتي باقي الأئمة الزيدية فيما بعد، ويبنون على هذا المنهج. بل أن كل واحد من أئمة الزيدية، هو يبتكر قواعد، هو يبتكر أسس، يقولون: نحن لدينا باب الاجتهاد مفتوح. فكل إمام هو يأتي بنظرية، بقاعدة، بفكرة، بأساس، ولذلك قد تجد مثلا أن بعض الأئمة المتأخرين يخالفون، إمام المذهب، حتى في القضايا الأصلية، ليش؟ لأنه كل واحد اللي يجي، يجي، وعنده مدرسته الخاصة، وذلك لأن المذهب، في أيام زيد الشهيد، لم يستكمل بناءه، وأن زيدا (ع) لم يؤسس قواعد ومنهجا، مثلا في العقائد أو في الكلام، خاص به وواضح ومبين، حتى يأتي الآخرون، ويبنوا عليه. فإذن نسبة المذهب إليه، فيها مقدار من المسامحة، كأنما نوع من التشريف، يراد لهذا المذهب، نسب إلى زيد، وإلا لم يقرر الإمام زيد منهجا فقهيا أو كلاميا، أو عقائديا لهذا المذهب حتى يسير عليه، من يأتي من بعده. هذي نقطة مهمة، تختلف فيها فقهاء الزيدية، وأئمة الزيدية، بل والمذهب الزيد، عن سائر المذاهب.
النقطة الأخرى، التي تلاحظ، قبل الحديث عن آراء هذا المذهب، أن هذا المذهب من الناحية التاريخية والجغرافية، من الناحية التاريخية، تأسست له دول متعددة، مثلا، تأسست له دولة، أو تنسب له دولة، تسمى الدولة الأخيضرية. الدولة الأخضيرية في اليمامة، اليمامة نجد، نجد احتضنت دولة شيعية زيدية في حدود سنة 250 هجرية، كان على رأسها بعض بني الحسن وأحفاده. أساسا الزيدية كثير من أئمتهم ومن ثوارهم من بني الحسن المجتبى (ع). فهذي دولة تأسست في وسط نجد، سنة 250 هجرية، وكانت تنتمي إلى المذهب الزيدي. دولة أخرى تأسست كما ذكرنا قبل أيام، في طبرستان، شمال غرب إيران، وغرب إيران. في ذاك الوقت، احنا قلنا اشتباها: شمال شرق، التصحيح هنا، هي في الشمال الغربي، والغرب منطقة مازندران، وجيلان، وطبرستان، هذه أيضا دولة هنا تأسست وكان على رأسها الناصر الكبير، الأطروش، يعرف بالأطروش، الناصر الكبير، توفي حدود سنة 300 للهجرة. هذي دولة أخرى أيضا كانت على المنهج الزيدي، وزيدية الاتجاه.
إلا أن أطول فترة، تم فيها الحكم، عند الزيديين، كانت في اليمن، اليمن اللي الآن أكثر وجود للزيدية في العالم الإسلامي، هو في اليمن، وفي جنوب المملكة، وهي منطقة جغرافيا قديما، هي واحدة، هاي المنطقة كانت منطقة زيدية، منذ حوالي سنة 280 هجرية إلى قبل حدود 55 سنة. يعني حدود 1000 وكذا من السنوات، عندما قام أحد أئمة الزيدية وخرج من وادي الفُرع، في غرب المدينة المنورة، في وجود لأتباع أهل البيت (ع) فهذا الرجل من نسل الحسن، عرف باسمه يحيى بن الحسين الحسني، ومعروف بالإمام الهادي إلى الحق، عند الزيدية، لقبه: الإمام الهادي، أو الهادي إلى الحق، في سنة 280 هجرية خرج من وادي الفُرع من غرب المدينة، واتجه إلى اليمن، إما بدعوى من بعض قبائلها، أو بمبادرة منه، وكان هناك نزاعات ومشاكل، هو رجل عالم، فدخل على خط الإصلاح، والأمر بالمعروف، وتحلق الناس حوله، وأصبح حاكما لتلك المنطقة، صعد وما والاها.
اللي الآن قسم من اليمن، المعروف باليمن الشمالي، منذ ذاك الوقت، كما قلنا، إل أن سقط نظام الإمامة، بسقوط الدولة المتوكلية، المملكة المتوكلية اليمنية، سنة 1962 ميلادية، قلت قبل حوالي 55 سنة أو في هالحدود، صار هناك حركة وحرب اليمن، وسقطت الدولة المتوكلية، آخر أئمة الزيدية في اليمن، كان يسمى المتوكل على الله. هاي الفترة الطويلة، كانت أطول فترة لحكم الزيدية في اليمن، بل في العالم الإسلامي كله. بقية الأماكن، أحيانا 100 سنة، أقل، أكثر، لكن هذه استمرت فترة طويلة، ولكن لم تستطع هذه الدولة، أن تخرج من هذه المنطقة لكي ينتشر المذهب كمذهب، على قدم المساواة مع سائر المذاهب الأخرى.
يعني لنفترض، المذهب الشافعي، المذهب المالكي، المذهب الحنفي، المذهب الجعفري، لهذه المذاهب أكو انتشار في كل العالم الإسلامي، حتى لو لم يكن لهم دولة، الدولة الزيدية، في اليمن، طول هذه المدة، لم تستطع الخروج إلا نادرا، ولم ينتشر المذهب الزيدي، مثلا، حاله، حال سائر المذاهب، في كل العالم الإسلامي .....
هذا عليُّ عليه السلام فمن هم شيعته
تحرير الفاضلة زهراء محمد
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2002
رُوي عن الشيخ الصدوق والمفيد رضوان الله عليهما بأسانيد قوية عن أُسيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وآلة أنه قال: ( لمَ ضُرب علي ابن أبي طالب جاء رجل عند بيته وقال: رحِمك الله يا أبا الحسن كُنت أول القوم إسلاماً وأعظمهم وأخلصهم إيماناً وأعظمهم مناقب وأكثرهم سوابق وأعظمهم عناءَ وأحوطهم على الإسلام وأقربهم لرسول الله وأشبههم به خُلقاً وسمتًا وفعلاً، كُنت للمؤمنين أباً رحيماً إذ صاروا عليك عيالا وعلى الكافرين عذاباً صباً وغلظة وغيظاً فحملت ما عنه ضعفوا وأخذت الذي عنه تقاعدوا) فلما سُئل الإمام الحسن عليه السلام من هذا ؟ قال هذا أخوه الخضر عليه السلام.
لخّصت هذه الكلمات بعض من جوانب حياة أمير المؤمنين عليه السلام المباركة وصفاته الكريمة والتي تُنسب إلى الخضر عليه السلام وقد جاء نظيرها أيضاً في الزيارات المأثورة عن المعصومين عليهم السلام وابتدأها بقوله:
(كُنت أول القوم إسلاماً وأخلصهم إيماناً)
يُلاحظ في ابتداء رواية الخضر عليه السلام التركيز على الصِفة الأولى للإمام عليه السلام وهو أنه كان أول المسلمين على الإطلاق اسلاماً وإيماناً برسول الله صلى الله عليه وآلة، ولا ينفع بعض الكُتاب بأن يقول الأول من الرجال فُلان ومن النساء فُلانه ومن الموالي فُلان ومن العبيد فُلان ، فإن هذه الطريقة من التعبير والتضييع يُراد منها سَلب الأولوية عن الإمام علي عليه السلام والذي صرّح بنفسه بهذا في أكثر من مورد ونُقل في كثير من مصادر الإمامية وكذلك مصادر مدرسة الخُلفاء كسُنن النسائي ومسند أحمد ابن حنبل والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيشابوري في أولوية وسبق الإمام علي عليه السلام في المبادرة إلى الإسلام.
*رواية تُدلل على أولوية الإمام علي عليه السلام وسبقه للإسلام...
الرواية تُنقل من مصادر مدرسة الخُلفاء كسُنن النسائي ومسند أحمد ابن حنبل والمستدرك وأيضاً في الكثير من مصادر الإمامية..
يقول أحدهم ذهبت إلى مكة المكرمة لكي أشتري قُماشاً أول البعثة فبعد أن قضيت ذلك مررت بالعباس ابن عبدالمطلب وكان لي معه شأن، سألت عنه قيل: هو عند الكعبة ،فذهبت إلى العباس لكي أقضي معه شأنه حتى إذا انتصف النهار، جاء رجل أزهر اللون كفّ اللحية وهو رسول الله صلى الله عليه وآلة وإلى جانبه غُلام لم تخط لحيته بعد وخلفهما امرأة قد سترت محاسنها، فوقف هذا الرجل ووقف ذلك الغُلام وخلفهما المرأة (على طبق صلاة الجماعة كما هي معهودة اليوم) وبدأ يذكُرا شيئاً ثم ركعا وهكذا، فقُلت للعباس: ما الخبر؟ قال: بلى هذا ابن أخي محمد يقول إن الله أرسله بدين يدعوا فيه إلى ترك الأصنام وعبادة الله وحده وهذا الذي إلى جانبه عليّ وتلك زوجته خديجة.
وفي تتمة الرواية في بعض المصادر يقول ناقل الخبر: فلو أسلمت حينئذٍ لكُنت رابع الإسلام.
تُدلل وتؤكد هذه الرواية على أن الإمام عليّ عليه السلام كان هو الأول والمبادر وصاحب السّبق إلى الإسلام وهذا مما لا يكاد يُناقش ولا يُخالف إلا على سبيل الاعتساف وقلة الإنصاف.
*مكة المكرمة قبل الإسلام وبعده ...
تُعتبر مكة المكرمة منطقة مُشرفة وذات قداسة وهذا حدث بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وآلة حيث جاءت التشريعات التي وسعت نطاق هذه المنطقة وأصبحت مكة بأجمعها حرماً ولا يستطيع الإنسان أن يدخُل هذا الحرم من دون العبور عبر بوابات تُسمى بالمواقيت حتى يُحرم منها مقدمة للإتيان بعمُرة يطوف فيها بالبيت سبعاً ثم يسعى سبعاً ثم يطوف مرة أخرى طواف النساء وهكذا يؤدي الفرض الواجب عليه عند دخوله مكة المكرمة وهذا يُعدّ نوع من أنواع التشريف والحُرمة، فهي ليست سوق يذهب إليه الإنسان أي وقت يشاء، وأكثر من ذلك فهو أيضاً لا يستطيع أن يدخل فناء البيت الحرام وهو جُنب أو وهي حائض أو نفساء، وإذا زاد دخول الإنسان إلى هذه المنطقة عن شهر لا بد له من أن يعتمر لكي يتمكن من الدخول إليها.
وأما قبل البعثة النبوية فكان عند العرب الشيء الموقر هو فقط الكعبة ومقدار بسيط يسعّْ الطواف حولها وما بعد ذلك كان أشبه بساحة البلد ومكان للجلسة والسمَر والضحك والبيع والشراء بل كان هناك مكان يُسمى بالحزوَّرة وهو مكان فتحة زمزم سابقاً ويقع على بُعد 6 أمتار من الكعبة أتخذوه لذبائحهم ولإلقاء فضلاتهم فيه، بدليل ما نُقل في سيرة النبي صلى الله عليه وآلة من أن النبي كان يُصلي وجاء أحدهم وأخذ سلى بعير( وتعني كرشة البعير أو بقايا الفضلات) ووضعها على ثيابه.
*ماذا نستفيد من أولوية الإمام عليّ عليه السلام؟
(كُنت أول القوم إسلامًاً)
لابدّ لأتباع الإمام علي عليه السلام وشيعته الاستفادة من هذه المكانة العظيمة والمرتبة الشريفة للإمام عليّ عليه السلام في جانب الاعتقاد به وبأفضليته وفي جانب العمل والسلوك وذلك في المبادرة إلى كل خير وصلاح وأن يكون الإنسان أولاً في أعمال البِّر والمعروف ، وأولاً وسابقاً إلى الصلاة في أول وقتها حتى يتم الانتفاع بها تماما، وأولاً في صف الجماعة حيث أن الصف الأول له أفضليته في الثواب وحتى تُحقق معنى أولوية الإمام عليّ لا بد لك أن تكون الأول أيضاً في دعم المشاريع الدينية والأول في السعي بين الناس بالإصلاح.
(وأعظمهم وأخلصهم إيماناً)
قد يكون الإنسان سابقاً وأولاً في جهات الخير والبر ولكن في جهة النيّة والإخلاص قد لا يكون هو الأول والأقوى لأن النية والإيمان الداخلي لا يُمكن أن يُرى بدليل أننا جميعاً نُصلي صلاة واحدة ولكن مدى الانتفاع بالصلاة في تغيير السلوك هو نسبي ومتفاوت كُلٌ على حسب إخلاصه ونيته هل هو من الذين لا ينتظرون مدحاً وثناء أم هو من الذين يُسابِقون لنيل كلمات المدح؟ وكذلك قراءة القران الكريم هي كُلها آيات واحده ولكن مدى اطمئنان قلب الإنسان بهذا الذكر الحكيم متفاوت ومختلف، قد يطمئن قلبٍ تمام الاطمئنان وأما قلبٌ آخر فيطمئن بمقدار النصف، وهنا يظهر من هو (وأعظمهم إيماناً)
الشقشقية توثيق 30 سنة من تاريخ الاسلام
كتابة الأخت الفاضلة زهراء محمد
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2003
قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: (أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز.
قَالُوا وَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَأوَلَهُ كِتَاباً قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الْاِجَابَةَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ [فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ] قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ . فَقَالَ: هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ).
*سبب تسمية هذه الخُطبة...سُميت هذه الخطبة بالشقشقية نسبة إلى آخر مقطع من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله: (تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ) والشقشقة في اللغة تعني زبد يُخرجه البعير من داخل جوفة إلى فمه والإمام عبّر عنها بالشقشقة لأنه خرجت من وجدانه عليه السلام من غير تخطيط ولا ترتيب كأنما هو بوحٌ ترقرق على سطح الكَلِم.
*دلائل إثبات هذه الخُطبة لأمير المؤمنين عليه السلام...
تعرض كتاب نهج البلاغة للإنكار وعدم صحة نسبته للإمام عليّ عليه السلام من قِبل بعض عُلماء مدرسة الخلفاء وبالخصوص هذه الخُطبة نظراً لاحتوائها على مضامين لا تتناسب مع معتقدهم فالبعض نسب النهج للشريف الرضي أي هو من كتبه وألّفه وبعضهم للشريف المرتضى وآخر اكتفى بالإنكار فقط. أما بالنسبة للإمامية وعموم الشيعة والمحققون من أتباع مدرسة الخلفاء والعارفون بأساليب اللغة العربية يؤكدون أنّ النهج للإمام عليّ عليه السلام وأنّ هذه الخُطبة أيضاً هي للإمام عليه السلام وفيما يلي بعض ما ذُكر في إثبات ذلك:
*ذكر العلامة المحقق المرحوم الخطيب السّيد عبد الزهراء الحُسيني في كتابه المُعنون باسم ( مصادر نهج البلاغة و أسانيده ) المطبوع في 8 مجلدات أو أكثر بحسب اختلاف الطبع مادة ممتازة لمن أراد البحث في هذا الموضوع، فبدأ أولاً بذكر من أرّخ خُطب الإمام عليّ عليه السلام وكلماته قبل ولادة الشريف الرضي بقرون مثل التابعي زيد الجُهني الذي نقل في كتابه خطب وكلمات أمير المؤمنين عليه السلام وهو متوفى سنة 92ه وبين هذه السنة والسنة التي توفي فيها الشريف الرضي الذي يُدعى أنه من أَلّف هذه الخُطب ثم نسبها للإمام 3 قرون حيث أن الشريف الرضي متوفى سنة 406ه، وكذلك نُقل عن مسعدة ابن صدقة وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام مما يعني ذلك قبل ولادة الشريف الرضي بقرنين من الزمان.
* وأما بخصوص هذه الخطبة الشقشقية والتي تُسمى أحياناً بالمُقمصة نظراً لقولة عليه السلام: (أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَا يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ) فقد ذكرها العديد من العلماء من بينهم الشيخ ابن ميثم البحراني الذي له ثلاثة شروح على نهج البلاغة منها الصغير والمتوسط والكبير وقال في بعض هذه الشروح : ( إنني أنا ميثم رأيت هذه الخُطبة في كتاب الإنصاف لابن قبا وهو متوفي قبل ولادة الشريف الرضي) فإذا كانت هذه الخطبة مُدونة قبل ولادة الشريف الرضي فكيف يكون هو الذي كتبها!!
وكذلك ذكر أنها موجودة بخط أبا الحسن ابن الفرات وهو وزير من وزراء المقتدر العباسي المتوفى سنة 320ه مما يعني ذلك قبل ولادة الشريف الرضي بـ 35 سنة فلا يُعقل بعد ذلك أن يكون الشريف الرضي هو الذي ألّفها ونسبها للإمام عليه السلام.
*ونُقلت هذه الخطبة أيضاً في أخبار الإمامية من قِبل الشيخ الصدوق في كتابه (معاني الأخبار) والشيخ الصدوق هو في رُتبة أُستاذ أُستاذ الشريف الرضي حيث أن الشريف الرضي هو تلميذ للشيخ المفيد والشيخ الصدوق أُستاذ للشيخ المفيد فيكون في رُتبة أستاذ أستاذه ومع ذلك نقلها في كتابه فكيف يُعقل أن يكون الشريف الرضي هو من كتبها، وكذلك نقلها الشيخ المفيد في كتاب آخر وشرحها أخْ الشريف الرضي وهو المرتضى وله شرحٌ لغوي أيضاً بل وناقش هذه الخطبة أحد أئمة المعتزلة وهو أبو علي الجُبائي المتوفى سنة 415ه وهو مُعاصر للشريف الرضي المتوفى سنة 406ه وشرع في كتابة كتاب يتناول موضوع الإمامة والخلافة وفيه يردّ على بعض الفقرات التي جاءت في هذه الخطبة الشقشقية وهو بها يُريد أن يُفنّد هذه الكلمات وهو بهذا يُقرّ صحة نسبتها للإمام عليّ عليه السلام ،ولو كانت للشريف الرضي لكان الأمر عليه هيّن وسهل في القول بأنها لا تُنسب للإمام بل تُنسب للشريف الرضي.
*سبب إصرار البعض من عُلماء مدرسة الخُلفاء على عدم صحة نسبة الخطبة الشقشقية للإمام عليّ عليه السلام؟
انما ذلك النفي وعدم تقبل هذه الكلمات بسبب المضامين المهمة التي تناولها الإمام عليّ عليه السلام والتي ترتبط بعرض أفضلية الإمام عليّ عليه السلام وتقييمه لخلافة الخُلفاء الثلاثة وطرق اختيارهم كما توثق هذه المضامين 30 سنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآلة حيثُ أنها تُعد من أهم سنوات المذهب الإسلامي وأكثرها حساسية وأهمية لأن في هذه السنوات تم التأسيس فيها لما بعدها، ويُقدم الإمام عليه السلام في شقشقته نظرية ورؤية حول هذه السنوات بكاملها وهي لا تتوافق ورأي بعض العلماء من مدرسة الخلفاء ومن قال بعدم صحة هذه الخطبة للإمام عليّ بل هي على الضد تماماً من آرائهم فما كان منهم إلا إنكار سند هذه الخطبة وافتراض عدم صحتها ونسبتها للإمام عليّ عليه السلام ..
وقفة مع وصية أمير المؤمنين عليه السلام
كتابة الأخت الفاضلة زهراء محمد
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2004
مشروعية الوصية..( كفعل عُقلائي ، المشروعية الدينية )
1/ كفعل عُقلائي: يرى العقلاء أن الإنسان عندما يقوم بعمل من الأعمال ويصرف فيه مالاً وجُهداً وفكراً ووقتاً من المرجح أنه يُحب استمرار هذا الشيء حتى بعد مماته فيقوم بالوصية والتأكيد عليه للمحافظة على ديمومته واستمراره وما صُرف فيه من جهد ووقت وفكر ومال.
2/ المشروعية الدينية: يتحدث القرآن الكريم عن الوصية كشريعة كان يحرص على ممارستها الأنبياء والرسل وعموم المتدينين وذلك للحفاظ على العقائد والمشروع الديني الذي جاء من أجله أنبياء الله ورسله ومن هذه الموارد الذي ورد ذكر الوصية فيها في القرآن الكريم قولة تعالى وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ في هذه الآية يوصي نبيّ الله إبراهيم ويعقوب عليهم السلام أبنائهم بالموروث الإلهي والعقائد الحقه طيلة أوقاتهم وحياتهم بحيث لا يدركهم الموت إلا وهم على طريق الإسلام الحق، وكذلك جاء نبي الهُدى محمد صلى الله عليه وآلة بالمشروع الإلهي والرسالة الإسلامية التي ضحّى و أُذي وبذل الكثير من الجهود من أجلها وفي سبيل إقامة صرحها، وبذلك ليس من المعقول أن يترك هذا المشروع السماوي الإلهي من دون أن يوصي به، فكان أن قام النبي صلى الله عليه وآلة تكراراً ومِراراً بالوصية لأمير المؤمنين عليه السلام حتى عُرف عليه السلام بالوصي لكثرة تكرار هذه اللفظة من النبي صلى الله عليه وآله، وبذلك يكون أيضاً غير خارج عن طريقة الأنبياء والرسل السابقين الذين أوصوا بما هو من عند الله تبارك وتعالى.
وهذا ما يُفنّد ما قاله البعض من أتباع المدارس الأخرى من أن النبي صلى الله عليه وآلة لم يوصي بشيء ولم يُعين لأحد من بعده ولم يضع ضمانة لاستمرار هذا المشروع وإنما تركه هكذا تتقاذفه الأمواج من غير موجّه ودليل يدلهم على الطريق الصحيح.
*الوصية والحُكم الشرعي..
تدخُل الوصية لأهميتها في الإسلام في ضمن الأحكام الشرعية حيث أن المُكلف يستطيع أن يوصي بما يهمه قبل أن يموت وقد عُين لذلك مورد هو على خلاف القاعدة التي تقول أن الإنسان هو مالك لماله مادام حياً فإذا ما مات انتفت مُلكيته لهذا المال ولكن أُستثني هذا الحكم في أمر الوصية وللمالك حق الوصاية بثُلث ماله، فيعتبر بذلك الإنسان مالك لثلث ماله وله الحق الوصية بتصريف هذه الأموال بعد مماته بما يُريد أن يُعمل له سواء كانت واجبات فائتة أو مُستحبات وتجدر الإشارة هنا إلى مسألة خلافية تقع بين مختلف المذاهب على النحو التالي:
*المدرسة الإمامية..
ذهب فقهاؤها إلى أن بإمكان الإنسان المسلم أن يوصي بما فاته من الواجبات لكي تُقضى عنه كالصلاة والصيام والحج وكذلك المستحبات أيضاً يستطيع أن يستأجر من يقوم بمختلف الاعمال الصالحة نيابة عنه بثلث ماله بعد مماته من صلاة وصيام وحج وعمرة وزيارة .
(إضاءة)
إن مبادرة الإنسان لقضاء ما فاته من الواجبات العبادية مُستحسن ويجب الإسراع في تأديته، وهو من رأفة الله ورحمته لعباده ولا ينبغي للإنسان أن يؤخر القضاء متعمداً لما بعد الممات بُغية استئجار من يقوم نيابة عنه فهو بذلك يُعد آثماً إن لم يكن ذا عُذر يؤخره عن واجباته.
*غير الإمامية..
اختلفت آرائهم في هذه المسألة على النحو التالي:
1/ الرأي المشهور عند غير الإمامية يعتمد على ما نُقل من أقوال أحد الصحابة وهو عبدالله ابن عمر والذي يقول بعدم جواز استئجار من يؤدي العبادات عن أحد سواء كانت واجبة أو مستحبة باستثناء الحج الذي أجازوا النيابة فيه لما وُجد من أثر عن النبي صلى الله عليه وآلة.
2/ يُنسب هذا الرأي إلى الشافعي الذي يقول أن الواجبات الأولى أن يقضي عنه وليهُ أو يُستأجر من يقضي عنه.
3/ كذلك يُنسب إلى الشافعي والذي يرى أن قضاء الواجبات واستئجار من يقوم بها هو من الخير الكثير والبِر الوفير أما المستحبات فلا يستأجر وإنما يُشرك عزيزه في الأعمال الصالحة بالنية.
تأملات في وصية أمير المؤمنين عليه السلام...
•من المشهور في هذه الوصية أن أمير المؤمنين عليه السلام قد وصّى بها قبل وفاته بساعات فقط في ليلة إحدى وعشرين حيث أنه قُبض بعد ساعات من الليل وشُيعَ باتجاه الغري التي كانت تُسمى (بالذكوات البيض) ويعود ذلك إلى وجود نوع خاص من الحصباء اللامعة والتي تُستخدم في صُنع الخواتم، وهي أيضاً مدفن بعض الأنبياء كما تُشير إلى ذلك زيارة أمير المؤمنين عليه السلام (السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح وعلى جاريك هود وصالح).
• (أُوصيكُما بتقوى الله)
هي أول وصية أوصى بها أمير المؤمنين عليه السلام وهي التي عليها مدار خُطبه عليه السلام ومن قبله خُطب رسول الله صلى الله عليه وآلة وقبله آيات القرآن الكريم حيث يقول الباري عزّ وجلّ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ) فالتقوى خير زاد للمرء وهي التي دارت عليها التشريعات الإلهية كالصوم الذي يُبتغى منه تحصيل التقوى في نفس الإنسان يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولعلّ هنا لا تُشير إلى تردد الله جلّ شأنه وإنما تُشير إلى اختلاف قابلية الإنسان في استقبال هذه التشريعات والاستفادة منها فالبعض تُثمر في قلبه وتتحقق التقوى في أعماله والبعض الآخر لا أثر من ذلك عليه ، ولابد للإنسان أن يُعرض قلبه على التقوى في موارد الامتحان والصعوبة سواء كان ذلك في المال أو الجنس أو حقوق الآخرين أو حتى في داخل الأُسرة فهل ترى نفسك ظالماً أم تقياً وهل حققت فيك تشريعات الله من صلاة وصوم وزكاة وحج ثمرها من التقوى أم لا؟
من معالم المذهب الزيدي وآرائه
تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2005
قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما).
في سياق الحديث عن تاريخ المذاهب في الإسلام، نتحدث هذه الليلة، عن شخصية رمز المذهب الزيدي، الإمام زيد بن علي، بن الحسين، السجاد، عليه وعلى آبائه السلام. وحياة هذا العالم العلوي الهاشمي، تجمع جانبي العلم، والجهاد، والشهادة، وهي قل أن تتفق في كثير من العلماء.
لنبدأ من البداية عندما جيء للإمام السجاد، بعد صلاة الفجر، وقبل طلوع الشمس، وكان من عادته أن يجلس للتعقيب والدعاء، بعد الفجر إلى طلوع الشمس، كما ذكروا، فجاء من يبشره من أن الجارية المسماة حوراء قد ولدت غلاما ذكرا له. فاستفتح بالقرآن الكريم، متفئلا: فإذا بالآية المباركين: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما). أغلقه وفتحه مرة أخرى، لتأتي آية أخرى، شبيهة بها: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون). فقال الإمام زين العابدين (ع): "هو الله زيد، هو والله زيد". مستذكرا ما قيل عن رسول الله (ص)، من أنه يولد لزين العابدين لعلي بن الحسين، مولود يسمى زيد، يجاهد في سبيل الله، فيقتل ويكون مصلوبا في كناسة الكوفة. لعل هذه البداية هي التي طبعت عالم زيد، وأفق حياته بطابع الجهاد والشهادة، وأن نهايته ستكون كنهاية جده الحسين (ع)، شهيدا في طلب الإصلاح.
زمان ولادته مختلف فيه، اختلافا كبيرا، فإن هناك رأيا مشهورا بين المؤرخين، يقول بأن ولادته كانت في سنة 76 هجرية، ومعنى هذا أن فترة بقاءه مع أبيه السجاد، كانت بحدود 17 سنة، تزيد أو تنقص قليلا. بينما استقرب المرجع الديني الشيخ السبحاني، وهو من الباحثين المحققين وله كتب كثيرة نافعة يستفاد منها المثقف وعالم الدين، استفاد من بعض القرائن، كما جاء في كتابه الخاص عن الزيدية، بأن ولادة زيد، ينبغي أن تكون في سنة 67، لا 76، وذلك لأنه من المعروف أن والدة الشهيد زيد، هي حوراء التي أهداها المختار بن أبي عبيدة الثقفي إبان غلبته على الكوفة، أهداها إلى الإمام زين العابدين (ع)، ويفترض أن مثل هذه الهدية كانت في حدود سنة 66 أو 67، لأن المختار لم يبق إلى ما بعد 68، فلا بد أن تكون قبل هذه الفترة. إذا أهداها إليه فرضا في سنة 66، عند غلبته الكوفة، أو 67 مثلا، فلا يعقل أن تبقى عند الإمام زين العابدين (ع)، عشر سنوات، لا تنجب له. مقتضى القاعدة، أن تكون، خصوصا بملاحظة تلك الأزمنة، وأن مثل الإمام كان طالبا للولد، مثلما أن الأمويين، وأعداء أهل البيت، جردوا سيف البغي والاستئصال على هذه العترة، فلم يكونوا عازفين عن الأولاد، كانوا راغبين فيهم. فالمفروض أنه خلال سنة، سنتين، أن يكون هذه المرأة، هذه الجارية، بعد دخولها في بيت الإمام السجاد أن تنجب له. لا أن تنتظر، مثلا من سنة 67 إلى سنة 76، 9 سنوات، 10 سنوات، وهي لم تنجب بعد. بالإضافة إلى بعض القرائن التاريخية التي أقامها على اختياره هذا، وهو كلام معقول.
زيد نشأ في صغره وطفولته، بل وفي شبابه، متربيا على يد الإمام السجاد، ومن الطبيعي أن يتلون وضع حياته بما كان عليه الإمام السجاد، من تذكر كربلاء ومأساتها، ومن التوجه إلى الدعاء وروحانيته، بالإضافة إلى تعليمه، فتأثر هذا، المولود، وكان الإمام (ع)، يشير في أكثر من موضع إلى أن هذا هو الموعود بالشهادة، وهو المصلوب في الكناسة في المستقبل، وذلك، بإخبار رسول الله (ص). الإنسان بنفسه قد لا يكون عنده معرفة بأخبار المستقبل، ولكن إذا اخبر من قبل الله، ومن أولياء الله، ويكشف له هذا عن المستقبل، وما أكثر الإخبارات المستقبلية، اللي هذا واحد منها.
ينقل أبو حمزة الثمالي، يقول: جئت لزيارة علي بن الحسين، أبو حمزة صاحب الدعاء المعروف، هو من خلص أصحاب الإمام، فدخلت عليه، فبينا نحن كذلك، وإذا بغلام قد أقبل، غلام صغير، فعثر فوقع على الأرض، فشج رأسه، وسال الدم، فقام إليه زين العابدين (ع)، ومسح عنده الدم، وشده، وقال: أعيذك يا بني أن تكون المصلوب بالكناسة.
احنا بينا في وقت سابق، ماذا يعني الكناسة. بين قوسين، سريع الآن، لأنه راح يتكرر ذكرها، الكناسة في أول أمرها، الكناسة في أول أمرها كانت محل إلقاء الزبائل، في الكوفة، من قبل الإحياء، كانت مقسمة الكوفة إلى خمسة أحياء، وكل حي إله كناسة خاصة، مكان رمي الزبائل، بعدين تقاربت هذه الأحياء، صارت كناسة واحدة، هاي الكناسة بالتدريج، تحولت إلى ما يشبه الميدان المركزي في البلد. الآن كل بلد فيه سوق، فيه الميدان المركزي، فيه المكان اللي عادة يجتمعوا فيه الناس. الكوفة صارت منطقة الكناسة هذه، أشبه بهذا النوع. إذا أكو خبر مهم موجودة في الكناسة، اجتماع رح يصير خبره موجود في الكناسة، عركة رح تصير تبدأ من الكناسة، وعلى هذا المعدل.
فكان يقول له: أعيذك أن تكون المصلوب بالكناسة، فسألته: وماذا؟ قال: هذا ابني زيد، لا تمر الأيام حتى يقوم لله، فيقتل، ويصلب في الكناسة. فهذا كان من الإخبارات اللي الإمام زين العابدين (ع) أخبر فيها عن ابنه زيد. في هالفترة طبعا تلقى العلم، عن أبيه زين العابدين بشكل كبير، حتى ينقل عن الإمام الباقر (ع)، أنه كان الإمام السجاد، يعمل له بحسب تعبيرنا امتحان، قال: دعا أبي أخي زيدا، فلما جاء إليه، سأله عن قراءته للقرآن، وعلمه به، فقال: حسن. يعني: أعرف. فسأله أسئلة من معضلات القرآن، فأجاب فيها زيد، على أسئلة أبيه السجاد، وهذا يعني أنه في ذلك الوقت، وهو وقت مبكر، بناء على مثل كلام، الكلام القائل بأنه ولد في سنة 67، يكون عمره ذاك الوقت، بحدود الخمسة وعشرين، ستة وعشرين سنة مثلا. ومعرفته بالقرآن ومعضلاته تعتبر معرفة متقدمة، وفي مصادر مدرسة الخلفاء، ومصادر الزيدية، إشارة إلى أنه صاحب قراءة خاصة، شلون أكو الآن، قراءة حفص عن عاصم، قراءة ورش، قراءة فلان. كان زيد صاحب قراءة خاصة، للقرآن الكريم ...
24 من معالم المذهب الإباضي وآرائه
تفريغ نصي / الفاضلة سكينة نسيم آل عباس
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2006
ماهو هذا المذهب وماهي أفكاره وآرائه وكيف تأسس ؟
أتباع هذا المذهب يقولون أن تأسيس المذهب الإباضي كان على يد أحد التابعين بعد جيل الصحابة وهو جابر ابن زيد الأزدي وهو مولود في عمان ولكنه سافر إلى البصرة ونسب إلى الأزديين ، وكانت وفاته سنة 93 هـ قبل نهاية القرن الأول ،أنه كان قريب العصر من الإمام زين العابدين عليه السلام بناء على هذا التاريخ ، وأن هذا الرجل كما يذكرون كان قد أخذ العلم عن عبدالله بن عباس وأبي مسعود وأبي سعيد الخدري وهذه الطبقة من الصحابة وروى الحديث عنهم ، هذا يعتبرونه الشخصية الأولى المؤسسة للمذهب الإباضي .
شخصية أخرى هي التي نسب إليها المذهب وعرف بها وهو عبد الله ابن اباض التميمي وإليه نسبت الإباضية ، هذا متوفي في وقت متأخر وكان قد اشتهر أنه عندما دعاه الخوارج النجدات والأزارقة رفض دعوتهم ، بعد قضية صفين الخوارج استمروا وأصبح لديهم توجه متطرف يشهر السلاح من كان يخالفهم الرأي لا يمانع في أن يقتله وكان يرى قضية القتل أمرا عاديا ويكفر ويقتل حتى الأطفال ونسب ذلك إلى النجدات أتباع نجدة الحروري وإلى الأزارقة أتباع نافع الأزرق ، فهؤلاء دعوا عبدالله ابن اباض إلى أن يكون معهم وليس لك عذر لا بد أن تنهض بالسيف معنا وتقاتل ، الأميون نظام باطل ومن يناصرهم أيضا مثلهم لابد أن يعلن عليه الحرب ، فهو حسب ما يقولون رفض دعوتهم تلك ولم يقبل القيام معهم و رد عليهم برسالة ، لذلك حسب على القعدة ،وكأنما هم ثوار وهم قاعدون ، قعدة بمعنى أنهم لا ينهضون بالسيف ولا يتسعرضون الناس على حسب مذاهبهم ومواقفهم ، فيحسبون عبدالله ابن اباض على هذه الفئة بل أكثر من هذا يزيدون في الكلام عنه أنه كان يصلي وراء الحجاج الثقفي وعبيد الله بن زياد ، يعني ليس فقط لا يشهر السلاح ضد الدولة الأموية وجنودها وعامة من يؤيدها ، وإنما كان يمارس هذا العمل الذي فيه مقدار كبير من ملاحظة السلطة ،وهو قضية الإئتمام بمثل ولاتها.
شخصية ثالثة مهمة عندهم جدا ومؤثرة فيما يقولون وهي شخصية الربيع بن حبيب ، يذكرون أنه متوفي سنة 180هـ وأنه كان صاحب مصنف ، أحاديث وروايات يذكر أنه مثلا في هذا الكتاب الذي يسمونه بالجامع الصحيح حوالي 750 رواية عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن هذا الجامع الصحيح يعتبرونه هم أصح الكتب بل أصح من الكتابين الصحيحين عند مدرسة الخلفاء البخاري ومسلم ويعتمدون عليه اعتمادا كبيرا ، هذا كله حسب ما يظهر من كلماتهم وكتبهم وأحاديث متحدثيهم .
نقاط اشتراكهم واختلافهم مع سائر المذاهب :
فيما يرتبط بأمور الاستنباط والاستدلال على المسائل الفقهية يشبهون إلى حد كبير أتباع مدرسة الخلفاء ، فهم يعتمدون على القرآن الكريم كمصدر ويعتمدون على السنة النبوية مع الملاحظة التي ذكرنها بأنهم لا يعتبرون صحيح البخاري ومسلم كتابين صحيحين وإنما ينبغي في رأيهم النظر إلى أسانيد كل رواية بل وإلى نقد متنها أيضا وفي هذا المعنى يشبهون شيعة أهل البيت عليهم السلام ، فهم يستشهدون ببعض الروايات التي وردت على أنها روايات صحيحة بينما متنها في رأيهم لا يمكن أن يكون صحيحا ، كما ذكر بعضهم عن أن هناك رواية في صحيح مسلم من أن رجلا جاء إلى النبي وأخبره عن شخص أنه زنا بفلانة فأمر النبي عليا بأن يذهب إليه ويقتله فذهب علي ورآه ليس في هذا الوادي مشغولا في شأنه ، يعني الوشاية والخبر كاذب ذاك الواشي كان غير صادق فرجع إلى النبي وأخبره ، هم ينتقدون يقولون حتى لو هذه الرواية مذكورة في الصحيح وحتى لو كان سندها صحيحا ، إلا أنه لا يمكن أن نصدق أن النبي بمجرد أن يأتيه شخص ويوقل له فلان زنا يأمر عليا بأن يهب لقتله ، هذا أي قاضي من القضاة لا يفعلها لابد أن يأتي بالشهود وينظر في القضية نظرا أوضح من هذا ، نحن ننقد السند في الصحيحين بل وننقد المتن أيضا ، عندهم أيضا فكرة الاجماع كسائر المذاهب عندهم فكرة القياس كمذهب أبي حنيفة ، كما أن القياس من أصول الاستنباط عند مذهب الحنفي أيضا يقبلونه ، عندهم المصالح المرسلة والاستحسان كما هو عند مذهب مالك وعندهم شيء جديد يسمونه مقاصد الشريعة ، مقاصد الشريعة غاياتها العلل والحكم التي جاء بها التشريع هذه أيضا يمكن أن تستنبط منها الأحكام ففي هذه الدائرة يشبهون كثيرا سائر مذاهب مدرسة الخلفاء ، لكن في الموضوع الكلامي سوف نجد أنهم يتفقون أحيانا مع الإمامية والزيدية و يختلفون مع مدرسة الخلفاء وأحيانا يتفقون مع هؤلاء ويختلفون مع أولئك وأحيانا يختلفون مع كلا الفريقين .
مثلا من الأمور التي يتفقون فيها مع الإمامية والزيدية والمعتزلة ويخالفون فيها الأشاعرة وأهل الحديث من مدرسة الصحابة قضية رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ، هل أن الله يوم القيامة يراه المؤمنون أو لا يرونه ؟
أهل الحديث (السلفيين ) يقولون نعم يرى الإنسان ربه يوم القيامة كما يرى البدر ليلة كماله وهكذا الحال في الجملة الأشاعرة الرأي العام أيضا يقولوا برؤية الله عز وجل ، الأشاعرة تقريبا هم المجموع الأكبر لأتباع مدرسة الخلفاء ، المالكية الشافعية هؤلاء يحسبون على مدرسة الأشاعرة بل حتى ذكر عن الماتوريدية يعني ( الأحناف ) نفس الكلام ، في المقابل الإمامية والزيدية والمعتزلة والأباضية يقولون لا يمكن رؤية الله لا في الدنيا ولا في الآخرة لافي اليقظة ولا في المنام ويستدلون على ذلك بآيات القرآن الكريم من " لا تدركه الأبصار "وبروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأدلة عقلية وبالنسبة للإمامية يضيفون إليها روايات أهل البيت عليهم السلام ، الإباضية هنا يشاركون الإمامية في امتناع رؤية الله يوم القيامة ...
معالم المذهب الاسماعيلي في عقائده وأفكاره
تفريغ نصي الفاضلة فاطمة الخويلدي
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2007
ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبيرٌ بما تعملون
ضمن سياق الحديث عن تاريخ المذاهب في الاسلام نتحدث بإذن الله تعالى عن مذهب الاسماعيلية
الاسماعيلية يصنفون ضمن المذهب الشيعي وذلك ان الضابطة في عنوان الشيعة هم من يقدمون علي ابن ابي طالب عليه السلام على من سواه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ويدخل في هذا بطبيعة الحال الإمامية والزيدية والإسماعيلية حيث يجمعهم هذا الضابط وان كانوا يختلفون في موضوع الأئمة وعددهم وفي بعض الأمور المرتبطة بالعقائد والمسائل الفقهية الإسماعيلية سموا بهذا الإسم نظراً لإيمانهم بإسماعيل ابن جعفر الصادق عليه السلام بعتبار انه الإمام بعد أبيه الإمام الصادق عليه السلام ونظراً لأن إسماعيل قد توفي في حياة أبيه توفي سنة مئة وخمسة وأربعين هجرية بينما الإمام الصادق عليه السلام أستشهد سنة مئة وثمانية وأربعين هجرية لذلك عدلوا بالإمامة من إسماعيل إلى إبنه محمد ابن اسماعيل والذي يعتبرونه من الأوصياء والأئمة الكبار حيث انه يأتي بعد سبعة يعني النبي صلى الله عليه وآله ثم سبعة من أوصيائه ويأتي بعد ذلك محمد ابن إسماعيل فيقيمون له وزناُ كبيراً ويعظمون مقامه ثم يسلسلون الإمامة في ولده وبهذا ايضاً تكون الإمامة عندهم في ذرية الحسين عليه السلام بعتبار أنها من الإمام الصادق ثم إسماعيل ثم إبنه محمد ابن اسماعيل قبل ان ندخل في جملة أفكارهم وآرائهم ينبغي ان نشير إلى قضية مهمة وهي ان الإسماعيلية تعرضوا لتشويه كبيرٍجداً فيما يرتبط بأرائهم وعقائدهم وتاريخهم وذلك لأن الإسماعيلية واجهوا أولاً الدولة العباسية بدولة يعني الدولة الفاطمية التي تأسست سنة مئتين وثمانية وتسعين هجرية كانت الطرف المواجه للدولة العباسية في ذلك الوقت الدولة العباسية موجودة لم تنتهي الابدخول هولاكو إلى بغداد سنة ستمائة وستة وخمسين هجرية الإسماعيلية كانت لهم دولة سنة ثلاثمائة هجرية واستمرت دولتهم مدة قرنين من الزمان وأكثر وهذه في طرف المواجهة مع الدولة العباسية أخذوا في البداية المغرب العربي ثم أخذوا مصر وتأسس فيها ما هو معروف الجامع الأزهر وغير ذلك ونفس القاهرة تمصرت بنحو حديثٍ وأثار الفاطميين في مصر أثار كبيرة بالرغم من أنه تم القضاء عليها فيما بعد على يد الأيوبين إلا أنها من العمق والقوة كانت أكبر من ان تصادر بالكامل في هذه الفترة ايضاً توسعوا إلى بلاد الشام يعني اخذوا المغرب العربي أخذوا مصر التي تعتبر قلب العالم العربي أخذوا جانبا ً كبيراً من بلاد الشام لم يبقى للخليفة العباسي الا مقدار بسيط هو العراق وما جاوره فالطرف الأخر من العالم الاسلامي ايضاً كان عندهم دولة ليس بهذا المعنى ولكن كانوا سيطروا على قلاع الإسماعيلية المعروفة التي ذكرنا شيئ من الحديث عنها والتي لم تنتهي الا مع مجيئ هولاكو قضى على قلاع الإسماعيلية وعلى وجود الإسماعيلين في غرب إيران وفي تلك المنطقة قضى عليها في حدود سنة ستمائة و أربعة وخمسين هجرية فهذه إذن دولة زاحمت العباسين بشكل واضح ولعله لهذا أمر الحاكم العباسي المستظهر بالله في حدود سنة خمسمائة وأثنى عشر توفي أمر الغزالي أبا حامد الطوسي الغزالي وهو من العلماء المهمين وأصحاب الأراء القوية وله شخصيته شافعيٌ أمره ان يدون كتاباُ ضد الإسماعيلية بعتبارهم باطنيون بل وصل الأمر إلى وصمهم بالإلحاد ان الإساعيليون ملاحدة وهذا الامر حتى استخدمه هولاكو عندما جاء لغزوي العالم الإسلامي وبدأ بقلاع الإسماعيلية عندما كان يرسل إلى ولاة المسلمين أنه انتوا لازم تعينوننا في هذه الحرب وهذا نوع من اعلان الطاعة لنا في لقتال الإسماعيلية الملاحدة وكأنه هولاكو شخص لا يترك صلاة الليل ولا صلاة التراويح وهو اصلاً لم يكن يؤمن بدين الإسلام نهائياً في أول أمره لكن يستخدم هذا التعبير ايضاً لأثارة ولاة المسلمين انه انتوا لازم تساعدوني حتى نسقط الإسماعيلية الملاحدة وهذا يبين أن هذه الفكرة كانت منتشرة كثيراً زاد في الطنبور نغمة كما يقولون عندما حصل شيئ من الإصطدام بين الصليبين وبين بعض الإسماعيلين في بلاد الشام وهؤلا نقل ان بعض الإسماعيلين كان عند بعض جنودهم حالة من الجرئة والإغتيالات الجريئة اشتهروا فيها كان عندهم تركيز على انه أحياناً إذا يصير اغتيال إلى قائد من القادة قائد جيش هذا أهم من خوض معركة بكاملها فقاموا بعمليات اغتيال في أكثر من مكان لأعدائهم ومن جملة ذلك ايضاً كان الحاكم الاداري للقدس المعين من قبل الصليبين في فترة من الفترات كانت اغتيالات جريئة كانت عمليات خارجة عن المألوف فصارت فكرة أنه هؤلاء كيف يمكن أن يعملوا هذه الأعمال وهم في حالة وعي كامل لابد وان يكون عقلهم غير موجود فإذن لابد وان يكونوا شاربين شيى مستعملين الحشيش هو مادة مخدرة فمن ذاك الوقت بناء على أحد الأراء خرج مسطلح الحشاشين وإلتصق بالإسماعيلية وان الإسماعيلية جماعة من الحشاشين مبرر ذلك ماهو ؟ انهم كانوا يقدمون على نوع من أنواع الإغتيالات والقتل المفاجئ والذي يحتاج إلى جرئة والإنسان الواعي كأنما لا يستطيع ان يعملها فإذن لابد ان يكونوا مستخدمين شيئ غير طبيعي فحصل هذا الكلام الحشاشين أكثر من هذا المعنى صار تأكيد له لما أتى رحالة المعروف ماركو بولو وهو رحالة أوربي انطلق من أوربة وجاء في بلاد الشرق ومر على بلاد الصين وكان يدون ما يراه من أحداث في رحلته هذه لما رجع بعد الصين مر بإيران وهذه المنطقة التي كان فيها قلاع ألموت قلاع الإسماعيلية المعروفة فلما رجع إلى بلده بدأ بالتدوين وصنع له قصة مرتبة على انه في هذا المكان وهو قلاع الإسماعيلية يوجد هناك مثل البستان الكبير فيه الأنهار الجارية وفيه الأشجار الوارفة العالية وفيه النساء الجميلات فهؤلاء إذا أرادوا ان يجعلوا شخص يقدم على الموت من الشباب يجعلونه مثلاً يأخذ الحشيش ....
مع المعتزلة في آرائهم و أفكارهم
تفريغ نصي / الفاضلة سكينة نسيم آل عباس
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2008
أول حديثنا عن المعتزلة ، المعتزلة الآن في عالم المسلمين لا يوجد لهم حضور اجتماعي ، يعني لو أردت أن تحدد مثلا تقول الأشاعرة هم غالب المسلمين من أتباع مدرسة الخلفاء ، المالكية أشاعرة ، الشافعية أشاعرة ، غالبا هكذا ، فأنت تستطيع أن تقول أتباع هذا المذهب الفقهي ينتمون إلى هذا المنهج الكلامي ، أهل الحديث مثلا تستطيع أن تقول أن غالب الحنابل إن لم يكن كلهم ينتمون إلى منهج ومذهب أهل الحديث في العقائد ، الأحناف تستطيع أن تقول إن غالب الأحناف في الفقه ينتمون إلى المنهج الماتوريدي في العقائد ، الإمامية تستطيع أن تقول شيعة أهل البيت الجعفرية هم أصحاب هذه المدرسة الكلامية الخاصة بهم ، أما المعتزلة في هذه الأزمنة التي نعيش بها لا يوجد لهم جمهور ، لا يوجد لهم أتباع ، ربما يوجد بعض المفكرين ، بعضا المثقفين ، يميلون إلى الاعتزال ويناصرون فكرة المعتزلة ، لكن لا يشكلون حالة حضور اجتماعي و أتباع ، ولكن المعتزلة كفكرة كنظرية كمنهج كتراث في العالم الإسلامي يعتبر شيئا ضخما وقويا ومؤسسا على أصول قوية بحسب آرائهم ، وهم في قسم من عقائدهم وأصولهم يشتركون مع الإمامية ، يشتركون أو يشترك معهم الإباضية ، يشتركون أو يشترك معهم الزيدية ، فمن حيث النظرية والأفكار والتراث الكلامي والبراهين والاعتقادات ، تعتبر المعتزلة مدرسة قوية و مؤسسة كبيرة ، كيف بدأت هذه الفكرة وهذا المنهج ؟
في زمان الحسن البصري المعروف كان لديه أحد التلامذة واسمه واصل بن عطاء المخزومي ،هذا توفي سنة 131هـ في تلك الفترة كانت احدي المسائل الإشكالية في الساحة الإسلامية كانت مسألة مرتكب الكبيرة ، هل هذا مؤمن مطلقا أو كافر مطلقا أو لا هذا ولا ذاك ، هناك شخص مارس الزنا ، والزنا إحدى الكبائر والمحرمات العظيمة ، او شرب الخمر ، الآن هذا أصبح مرتكب للكبيرة ، هل يبقى بعده عنوانه مؤمن ، أو عنوانه كافر ؟، الخوارج ذهبوا إلى أن مرتكب الكبيرة يعتبر كافرا ، لا يمكن لأن الإسلام والأيمان لديهم ليس فقط ادعاء وإنما لابد من تطبيق ما يتطلبه الإيمان ، فمثلا هذا شارب الخمر مرتكب الكبيرة وفاعل الزنا خرج عن الإيمان صار كافرا ، هذا رأي الخوارج .
قسم من المسلمين قالوا كافر ولكن ليس كفر ملة وإنما كفر نعمة كما ذهب إلية الإباضية مثلا ، كافر ولكن كفر نعمة لأنهم يقسمون الكفر إلى قسمين ، هذا الرأي الذي ذهب إلى أن مرتكب الكبيرة كشارب الخمر وفاعل الزنا أو اللواط أو من شابه هذا يعتبر كافر خرج من الإيمان ، قسم آخر من المسلمين ولا سيما الرأي الغالب عند المرجئة ، وهذا أيضا بعضهم يشير إلى أنه بتشجيع أموي ، قالوا لا هذا ما خرج من الإيمان و إنما باق على أيمانه ، بعده لا يزال يعتقد بالشهادتين وما خرج من الإيمان ، هذا إذا صح ما ذكر عن بعض الباحثين ، هذا في مصلحة الحكام الأمويين ،رجل خليفة و والي مع ذلك يشرب الخمر ، فإذا قالوا أنه كافر فلا يصبح واليا على المسلمين فمن مصلحتهم أن يشجعوا القول بأنه مؤمن ،يقولوا هذا حسابه في يوم القيامة أمره مرجى إلى الله ، فجاء أحدهم و سأل الحسن البصري عن هذه المسألة أن فاعل الكبيرة ماذا يكون شأنه ؟ ، فأجاب واصل بن عطاء وسبق الحسن البصري :هذا في منزلة بين المنزلتين ، لا هو مؤمن و لا هو كافر، كيف يكون مؤمن وقد زنا وقد شرب الخمر وقد فعل اللواط ، ولا هو أيضا كافر لأنه لا زال يتشهد يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، و قام هذا من حلقة الحسن البصري حتى يشرح لذلك السائل ، ذهب إلى اسطوانة أخري في المسجد ، قال حسن البصري : اعتزلنا واصل ، فمنذ ذلك الوقت سموا بالمعتزلة .
هذه كانت بدايتهم ،هم ينسبون أفكارهم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، يقولون نحن أخذنا أفكارنا هذه من واصل بن عطاء و واصل بن عطاء من أحد أساتذته عبدالله بن محمد بن الحنفية ، معروف بأبي هاشم ، هذا كان واحد من العلماء ، حفيد الإمام علي عليه السلام ، ابن محمد بن الحنفية ، هذا عبد الله أبو هاشم أخذ العلم من أبيه محمد بن الحنفية ، محمد بن الحنفية أخذ التوحيد والمبادئ العامة عن أبيه علي بن أبي طالب ، فهم يقولون بناء على ذلك نحن أفكارنا آرائنا مذهبنا في الاعتزال راجع إلى علي بن أبي طالب ويفتخرون بذلك وسيأتي حديث ، هؤلاء لما أتوا صار عندهم أفكار كثيرة جدا أهمها خمسة أصول سوف نعرض لها ونعرض إلى مقدار التواصل بينهم وبين الإمامية وبينهم وبين سائر المذاهب الكلامية .
أصول المعتزلة العقائدية :
أهم أصل وأول أصل عندهم التوحيد ، الأصل الثاني العدل ، الأصل الثالث الوعد والوعيد ، الأصل الرابع المنزلة بين المنزلتين ، الأصل الخامس الأمر بالمعروف ، الأمر بالمعروف واضح ، المنزلة بين المنزلتين تحدثنا عنها فيما يرتبط بمرتكبي الكبيرة هل هو مسلم أو هو مؤمن أو كافر مطلقا أو هو في الوسط ،بعضهم عبر عنه بأنه مؤمن فاسق وبعضهم قال مسلم فاسق وبعضهم قال منافق ، لكن لا هو كافر ولا مؤمن ، وعندهم قضية الوعد والوعيد التي سبق وتحدثنا عنها وقلنا أنهم يقولون بأن الله سبحانه وتعالى إذا وعد عباده الصالحين بالجنة على أثر أعمالهم فلابد أن يفي لهم لأنه لو لم يفي لهم بهذا يكون كاذبا والعياذ بالله ، وأيضا لو توعد الفساق العاملين للسيئات بنار جهنم فلابد أن يدخلهم نار جهنم لأنه لو لم يفعل ذلك لكذب في وعيده ، فلا بد أن يدخلهم في نار جهنم ، ومن هنا نشأت فكرة أن الشفاعة لا تنال الإنسان الذي هو من هذا النوع ، وإنما تنال الإنسان المؤمن الذي هو في الجنة تصعد درجته ،أما إنسان يفترض أنه عمل سيئات ولابد أن يذهب نار جهنم لا ينال الشفاعة ، و سيأتي هذا خلاف لأكثر المسلمين سواء كانوا الإمامية أو غير الإمامية ، أهم الأصول عندهم أصل التوحيد ،لأجل هذين الأصلين التوحيد والعدل واشتراك الإمامية معهم سمّوا في الاصطلاح ( العدلية ) .....
مع الأشاعرة في آرائهم وأفكارهم
تفريغ نصي الفاضلة أم جواد
تصحيح الفاضلة ليلى الشافعي
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2009
من هو الأشعري :
هذه الفئة الواسعة في الأمة تنهج منهج أبي الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل الأشعري، الذي كان جده الأعلى هو أبو موسى الأشعري المعروف في قضية التحكيم بين عمرو بن العاص وبين أبي موسى في قضية ما بعد صفين بعد أن أجبروا الإمام علي بن أبي طالب أن يمثله أبو موسى الأشعري، وفي الطرف الآخر عمرو بن العاص بذكائه وبحيله وخدعه جر أبا موسى الأشعري أن ينزع الامام علي من الخلافة وأن يقول: نزعت عليًا من الخلافة كما أنزع هذا الخاتم من إصبعي.
فأبو موسى له موقف تاريخي من الإمام علي ليس هنا موضعه، لكنا أوردناها للتعريف.
الأشعري لقب قبيلة من اليمن قسم منهم ذهب لإيران وهم شيعة بعد حوادث الحجاج الثقفي وضغطه على أتباع أهل البيت في الكوفة وهناك نشروا التشيع كموسى بن الخزرج وغيره ، فالتشيع في قم بدأ من الاشعريين كقبيلة.
أبو الحسن الأشعري حفيد أبي موسى كان يعيش في بيئة حنبلية بيئة أهل الحديث. لكن دراسته كانت على يد أحد كبار أئمة المعتزلة وهو "أبو علي الجبائي" الذي كانت له كتب ومناقشات ومناظرات . فتتلمذ على يديه وأخذ عنه فنون المناظرة والاستدلالات العقلية والبراهين وأتقنها بشكل جيد . وحين بلغ الخمسين اعتكف عن الناس وخرج عليهم كما قيل بعد 15 يوم وصعد المنبر وقال: (أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كنت أقول بمقالة المعتزلة والآن رجعت عن كل ذلك وأقول برؤية الله بالأبصار يوم القيامة، وأقول بأن القرآن غير مخلوق، وأقول بأن الله قد خلق الإنسان وخلق معه أفعاله وأنا من الآن فصاعدًا سوف أفضح هؤلاء وأبرهن على خطأ أفكارهم) كل ذلك خلافًا للمعتزلة وبدأ في هذا المشوار.
ألف كتبا كثيرة من أهمها في هذا الباب كتابان " الإبانة " و " اللمع"
يظهر في كتاب "الإبانة" كشخص سلفي حنبلي من أهل الحديث بشكل مركز ومعمق حالة من الالتزام بالمنهج الحنبلي والسلفي بشكل كبير فكلما دلت عليه الاحاديث اثبته وليس عليه من غيره، لكنه يظهر في "اللمع" كمتوازن بين النص والحديث من جهة وبين العقل والبرهان من جهة أخرى.
وفي تعرضه لآراء المعتزلة صار أخف قسوة مما كان في كتاب الابانة، حاول مع التزامه بآراء أهل الحديث أن يعدلها ويخففها وأن يستدل عليها بأدلة عقلية مع أن أهل الحديث لا يقبلون الاستدلالات العقلية على هذه المبادئ ، لكن في هذا الكتاب الثاني نجد فيه نوع من التوازن بين المؤديات والبراهين العقلية وبين الروايات والنصوص والأحاديث.
وهنا يرد سؤال: هل أن "اللمع" آخر شيء ألفه حتى يقال أنه استقر على هذا الطريق أم أن "الإبانة "الذي يظهر فيه حنبليًا شديدًا نصيًا حرفيًا هو آخر كتاب؟
فإذا كان الكتاب الذي يظهر فيه حنبلي ملتزم بالنصوص وعدم تخطيها هو آخر كتاب إذن هذا منهجه الأخير. وهنا سيقول أهل الحديث والسلفيون : فإذن الأشاعرة ليست أشاعرة حقيقة لإن امامكم قد عدل عن هذه الأفكار المخففة التي فيها مجاملة للمعتزلة واستدلالات عقلية و تغييرات قد عدل عنها. فالكتاب الأخير مختلف.
لكن الاشاعرة يمثلهم علماء الأزهر والزيتونة والقرويين أي كل هذه المجاميع العلمية والمفكرون الاشاعرة والملتزمون يقولون بالعكس .
إن كتاب الإبانة الذي يظهر فيه سلفي حنبلي نصي متشدد هو أول كتاب حيث فارق المعتزلة للتو فكان شديد تجاههم وهكذا كل فرد ثم بالعادة يهدأ ويستقر كما أن عقله مليء بأفكارهم فلن يستطيع مسح كل أفكاره خلال 15 بوم بعد دراسته عندهم 50 سنة. وإن كتاب "اللمع" هو الأخير وهو الذي استقر عليه.
فهناك معركة بين الطرفين.
لأن أهل الحديث يرون أن الأشاعرة مبتدعة ، والأشاعرة يغتاظون وعندهم الحق حيث يقولون أنا نمثل ثمانين بالمائة من أتباع أهل السنة والجماعة فكيف يكون الأشاعرة الممثلين لعشرين بالمائة هم أهل المنهج؟ وفي الأجواء المشحونة بالخلافات نسمع هذه الكلمات.
سبب عدول أبي الحسن الأشعري عن رأيه :
لماذا عدل بعد دراسة خمسين سنة ؟
هناك نظريات متعددة:
1- يقول البعض أنه رأى النبي "ص" في المنام وأخبره بأنه متحير فالمعتزلة تنفي صفات الله، وأهل الحديث تثبت صفات الله كصفات البشر فعينه كعين البشر وكذلك يده ووجهه وحركته فكما ورد في الرواية أن الله ينزل كل ليلة جمعة من السماء السابعة للسماء الدنيا وينادي هل من تائب هل من مستغفر، فسأل البعض كيف ينزل؟ فقال الخطيب: هكذا وصار ينزل من المنبر،
أو كما ورد في تفسير المقام المحمود عند بعضهم من أصحاب المنهج النصي الحديثي في الرواية يأتي الله يوم القيامة برسوله فيجلسه معه على العرش " عسى ربك أن يبعثك مقاما محمودا" فهناك نزول وحركة وجلوس مع النبي وعين وساق ووجه ..الخ
فهنا فريق ينفي وفريق يثبت. فقال له النبي: عليك بسنتي .أي اترك المعتزلة واذهب للروايات فصحى من نومه وأعلن تراجعه.
الأحلام والرؤى دليل العاجزين :
وبالطبع فإن الأحلام والرؤى هي دليل العاجزين عن البرهان، ونعلم أن البعض صادق في رؤيته ولكن البعض غير كاذب فقد رأى شخص اعتقد انه نبي وكان يعيش سؤال معين وحصل على إجابة.
فهل لنا أن نصدق هذه التوجيهات المتخالفة لحد التناقض والتضاد.
فالإمامي يقول رأى النبي وقال لي إني على الحق وغيرك ليس على الحق .
والمعتزلي يقول : رأيت النبي وقال لي أنك على الحق وغيرك ليس على الحق وكذلك الأشعري وكذلك السني والأباضي والزيدي.
فمن نصدق منهم ؟ لاسيما مع تعارضهم.
فليس من العقل أن يقول النبي لشخص أن الطريق الصح فقط يمين ثم يقول لآخر اذهب يسار ثم لاخر لايمين ولا يسار اذهب للأمام . هذا الكلام لن يقبله أي عاقل ولو افترضنا الصدق عند هؤلاء لايمكن الأخد بهم لتعارضهم.
مع أهل الحديث في أفكارهم وعقائدهم
تفريغ نصي الفاضلة مها السيهاتي
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2011
حديثنا هنا عن تاريخ المذاهب في الإسلام ويتناول بعض معالم أهلَ الحديث وسنُعَرِّج على منهج الماتوريدية ..
بشكلٍ إجماليٍّ قسمنا هذه السلسة من العالم الاسلامي الى نصفين بعد اشتراكهما في الدين وَ توصلنا إلى ان هناك طائفتين رئيسيتين ينقسم إليهما العالم الإسلامي.
الفرقة الأولى هم من يسَمّون بالإصطلاح أهل السنة وهم أتباع مدرسة الصّحابةِ ، والفرقة الثانية هم الشيعة وهؤلاء هم اتباع مدرسة ومنهج أهل بيت النبوة عليهم السلام.
ومن المناهج التي تعرضنا اليها في الموضوع العقائدي هو المنهج الاساسي عند الإمامية و هو منهج واحد معروف قد سبق وتكلمنا عنه سابقاً.
واما عن المناهج الاعتقادية الموجودة عند اهل السنة
فهم أولاً قسم أهل الحديث وسنذكر هنا مايتميز به منهجهم ...
وهم في الغالب ينتسبون الى المنهج الحنبلي او السلفيون.
أما القسم الاخر وهو يشكّلُ أتباع المذهب المالكي والشافعي بمايشمل المرجعيات الدينية من الازهر الى جامع القرويين الى الزيتونه وغيرها..
وأما أتباع المذهب الشافعي والمالكي من المسلمين فهم اشاعره بحسب هذا التصنيف.
والمذهب الثالث هو المذهب الماتوريدي والذي غالبا اتباعه من المنهج الحنفي وسنتحدث عنهم باختصار
ويبقى المعتزله كما ذكرنا لايوجد لهم اتباع كمذهب وجمهور وانما هي نظريات غالبا يلتزم بها مفكرون او باحثون قد لايشكلون حضورا اجتماعيا..
هذا التصنيف لأهل السنة هو التصنيف العام
ولكن هناك تصنيفا اخرا يُصِر عليه اهل الحديث
ومما ذكره من الأوائل كالشيخ احمد ابن تيميه، وتبعه فيما بعد اهل الحديث أنه قال ان السُّنة اصطلاح عام يعني مايقابل حسب تعبيره بوصف الشيعة بالرافضه)♥️
ويجمع اهل السنة بخلافة الخلفاء الثلاثه الاول
وهناك تعريف خاص لاهل السنة
هو انهم خصوص اهل الحديث
دون من جاء فيما بعد بمقالات مبتدعه او موضوعه ـ في رأي أهل الحديث ـ كالخوارج او الماتوريديه
حسب التعريف الثاني هولاء ليسوا هم اهل السنة
وانما هم مبتدعه واهل السنة الحقيقيون بناء على هذا الرأي هم خصوص اهل الحديث الذين يُعرَفُون بالسلفيين .
وهذا الذي ازعج الكثير من الاشاعره الذين يشكلون اغلبية العالم الاسلامي في الأزهر ومن يتبعه وعامة المتمذهبين بالشافعيه والمالكيه .
ووصفهم بالابتداع وبأنهم خارج اهل السنة فذلك يغيظ علمائهم .
إذاً من هم اهل الحديث وماهي جملة افكارهم...؟
اهل الحديث يَعتبرون أنفسهم أنهم أهل السنة وان حتى أئمة المذاهب في رواياتهم كانوا على وِفقِ مايرون وينسبون للشافعي كلاما يوافق آراءهم ولكن تبلور هذا الاتجاه وأصبح قويّا في زمانِ المتوكل العباسي فصاعدا
من عام ٢٣٠ هج حتى ٢٠٠ سنه بعدها.
اي كان لهذا المنهج قوة وتأييد وكان هناك بالمقابل تنكيل بذوي الاتجاهات العقليه الأخرى . فالمعتزلة مثلا لُعنوا و وُبِّخوا على المنابر بأمرٍ من الوثيقة العباسية من قِبل القادر العباسي حيثُ أَمر باستتابتهم في اكثر من موضعٍ.
وهذا الأمر قد كان يصب في اتجاه تقوية اهل الحديث حينها.وأهل الحديث لهم وثائقٌ مختلفة تحدد آرائهم وافكارهم من اشهرها كتاب السنة لعبدالله بن احمد بن حنبل ..وهو ممن ساعد والده في تصنيفه لمسنده المشهور في كتابه "السنة " وَقد دَوَّن فيه جزءا كبيرا من عقائد أهل الاحاديث ثم تبلورت في كتب كثيرة ..
وأبرز مايلاحظ في هذه الافكار انهم يقدمون النص الوارد سواءً في القرآن أو في الحديث على أحكامِ العقل ..
وتَجدهم يرفضون العقلَ عندَ تعارض النقل عن الرسول الأكرم وأحكام العقل ويقدمون عليه النقلَ والنصّ رُغم اعتراض غيرهم عليهم في هذا الخصوص.
مع انه احيانا قد يشتبه الراوي وقد لا ينقل نقلاً تاما لأحاديث الرسول ، فتَجدُه يُؤَخر حكم العقل البديهي الذي تنتهي اليه العقول والذي أُمر الانسان ان يحتكم اليه في ابرز الامور وهي العقائد ولا يعمل في نقلها وفقَ ما جاء في الآية الكريمة " افلا تعقلون يا أولي الألباب "
نَجِدُ بعضُ الرّواة يؤخّرون العقل البديهي وينقلون بعض الأحديث ملتَبِسة بعض الشيء...مثلُ ذلك كما هو موجود في الصحاحِ أن عائشة تنسبُ لبعضِ الصحابةِ أنهم وُهموا في نقل الحديثِ، حيث قالت : رحِم الله فُلانا إنه وهمَ وانما قال الرسول كذا وكذا ...فلربما كان ثقة ولكنه لم يحفظ الحديث كاملاً او كانت المسأله عقائدية ثقيلة عليه بعض الشّيء ..
لاسيما في الامور العقائديه قد تكون ثقيله لاينقلها الرواي نقلا دقيقا ، نذكر مثلاً كقضيةٍ بسيطه يلقيها محاضِراً ما في الرياضيات عن مسألة قد طرحها على جماعه من ١٠ أشخاصٍلعل الذي يحفظها بدقه واحداً أو اثنان بينما لا يحفظها البقيه كما هي لأنها قد تكون معقدة قليلا او نظرا لإختلاف وتفاوت الفهم والحفظ لدى أولئكَ الأشخاص..
فالمسائل العقائدية تحتاج لدقة وترتيب في الكلمات فانت ترفض ما أَدّت إليه نتائج العقول والتي جُعِلت حجةً على البشر لأن شخصا واحدا نقل حديثا عن النبي .
وهذا يعترض عليه المخالفون به ولكن لايقبلون هذا الاعتراض بقولهم أنهم مأمورون ويبررون ذلك بأنهم يأخذون الحديث على ظاهِره بدون تأويل وبدون تصرف به أو تبديل.ومن ذلك اثبات الصفات لله عز وجلّ،
وقد ذكرنا شطرا منها عند تعرضنا لذكر الاشاعرة الذين حاولوا ان يخففوا الشناعة الموجودة في بعضها حتى يكون مقبولا في الأذهانِ والعقول.ولكن اهل الحديث اخذوها على ظاهرها ولم يغيروا فيها شيء.بعض الروايات التجسيدية كتلك التي لله يد او يدين او له اصابع،، بأن جعل الارض على إصبعٍ من أصابعه وجعل السّماء على إصبعٍ وجعل الجبال على إصبعٍ آخر والثرى على إصبع...تعالى الله عمّا يصِفون ...
زكاة الفطرة في المذاهب الإسلامية
تفريغ الفاضلة فاطمة الخويلدي
ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2010
( قد أفلح من تزكى وذكر أسم ربه فصلى)
نحمد الله سبحانه وتعالى أن بلغنا ختام هذا الشهر الكريم ونساله أن يتمم علينا نعمته بقبول أعمالنا وبعتق رقابنا من النار وأن يكرمنا بالجنة لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولأرحامنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات وأن يعيدنا والمؤمنين على هذا الموسم الرمضاني على الصيام في خيرٍ وعافية إنه على كل شيئٍ قدير وهذا الإنتهاء المبكر لهذا الشهر الكريم الذي مر سريعاً بينما كنا في بدايته وإذا نجد أنفسنا في نهايته يشير إلى مرور العمر كما أن هذا الشهر قد إنقضى وإنتهى بسرعة فإن الأعمار هي أيضاً هكذا فقد ورد في الروايات ما أسرع الساعات في الأيام وأسرع الأيام في الشهور وأسرع الشهور في السنين وأسرع السنين في العمر بنفس المرور السريع الذي مربه هذا الشهر تمر سنوات الإنسان ويمر عمر الإنسان فطوبى لمن بادر إلى إستغلال عمره والإستفادة من سنواته فيما يرضي ربه وفيما يعقبه خيراً نسأل الله لكم للأخوة السامعين جميعاً وللمتكلم ذلك إنه على كل شيئ قدير
حديثنا هذه الليلة سيكون حول زكاة الفطرة وأحكامها بين المذاهب الإسلامية وسوف نجد أن الإمامية في مسائل أحكام الفطرة يتفقون ويتفق معهم باقي المذاهب إما يتفقوا معهم هذا المذهب
أو ذاك المذهب وهذا يشير إلى أن أصول الإستدلال لما كانت تعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية فإنها متقاربة لا سيما في أمور العبادات وإذا وجد شيئ من الإختلاف فهو راجعٌ إلى طريقة الإستفادة من هذه المصادر سوف نتعرض إلى بعض أهم المسائل في هذا الموضوع موضوع الزكاة زكاة الفطرة المعروفةأنها شرعت في السنة الثانية للهجرة في شهر رمضان يعني أول ما وجب على الناس وأوجب عليهم زكاة الفطرة هو في السنة الثانية من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وكان ذلك في شهر رمضان بحيث لما إنتهى هذا الشهر بدأوا بإعطاء زكاة الفطرة في أول مسألة أنها تجب على كل مسلم غنيٍ بالغ والغنى معناه أن يمتلك الإنسان قوت سنته إما بالفعل أو بالقوة بالفعل مثل أن يكون إنسان لديه رصيد في البنك لنفترض أن مصاريفه في الشهر عشرة آلاف ريال فرضاً فهو يملك الآن في رصيده مئة وعشرين ألف ريال أو يوجد عنده صندوقٌ في بيته لديه هذا المبلغ هذا يعد غنياً لأنه يمتلك قوت سنته وقد لا يكون بهذا النحو كما هو أغلب الناس وإنما يمتلك قوت سنته بالقوة بمعنى إنه الآن يمتلك راتب هذا الشهر ومصروف هذا الشهر وربما تكون لديه زيادة بشكل معين لكنه حيث إنه يعمل في الوظيفة الفلانية التي تعطي موظفيها راتباً كل شهر فلديه مصدراً يؤمنه طول هذه السنة وإن كان الآن لا يملك قوت ستة أشهر قادمة هذا غنيٌ ولكن بالقوة بل ما دون هذا ومن دون هذا هناك من يعمل باليومية في بعض البلدان الأجرة اسبوعية في بعض المهن الأجرة هي اجرة يومية مثل قسم من عمال البناء وما شابه ذلك يأخذ أجراً يومياً وهذا الشخص بشكل مستمر عنده هذه المهنة كل يوم لديه ما يكفيه لمؤنته هذا لا يعتبر فقيراً وإنما هو غنياً فسواء كان بالفعل عنده رصيد يكفيه لسنة كاملة أو كان لديه مهنة يتكأ عليها في تحصيل قوته بل لو لم يكن كذلك ولكن كان له جهة تتعهده يعني فلانة مثلاً قد تكون أرملة لا تعمل وليس عندها رصيد ولكن هذه مثلاً تستلم من الضمان الإجتماعي أو من الجمعية الخيرية أو ما شابه ذلك مبلغاً مالياً منتظماً طوال السنة يكفيها حتى وإن كانت لا تعمل ولا يوجد لديها رصيد إجمالي ولكنها لديها ضماناً معيناً مصدراً دائماً تعتمد عليه هذه لا تعتبر فقيرةً وإنما في حكم الغني وإن كان هذه عند الناس تعتبر فقيرة ولكن بهذا التعبير الشرعي لا تكون فقيرةً هذا بالنسبة إلى من تجب عليه وهذه مسألة شبه اتفاقية بين الإمامية وبين غيرهم المسألة التي سوف تأتي إذا وجبت على شخصٍ وجب عليه أن يدفعها عن نفسه وعن كل من يعوله عند الإمامية وعند بعض المذاهب كما سنأتي بعد قليل عند الإمامية كل شخصٍ حسب من عيال الشخص عياله يعني من يصرف عليهم من تكون مؤونتهم مربوطة عليه طعامهم كسوتهم مسكنهم بيد هذا كالأب مثلاً الزوج الأب قبل أن تتزوج أبناؤه بالنسبة إلى أبنائه وبناته غالباً هكذا وبالنسبة إلى زوجته أيضاً هكذا فكل من كان تحت عيلولته وعياله فإنه يجب على هذا الشخص أن يدفع عن ذلك العيال الفطرة أحياناً غير الزوجة والإبن لنفترض أخته باقية لم تتزوج أو أرملة
أو مطلقة أو بنت هكذا ولكن هو ضمها إلى بيته والداه مثلاً توفي فأتى بهذه الأخت إلى بيته تأكل من طعامهم تكتسى من مالهم تجلس في منزلهم بحيث يصرف عليها كما يصرف على أبنائه هذه أيضاً تعتبر من العيال وإن كان بالمعنى العرفي ليست من العيال العيال عادة الأبناء أما أخته فقد تكون أكبر منه لا يطلق عليها بنظر العرف عياله ولكن بالتعبير الشرعي هذه من عياله وعليه أن يدفع عنها الفطرة بل لو كانت أجنبيةً ليس لها ربط فيه مثل العاملة المنزلية مثلاً هذه ليست بنته ولا أخته ولا قريبته ولكن هي في منزله تأكل معهم تسكن معهم تنام معهم في ذلك البيت مصاريفها عليه وإن كانت تعطى راتب أيضاً ولكن بهذا التعريف تعتبر من عياله فيجب عليه أن يدفع عنها الفطرة بغض النظر عما إذا كانت مسلمةً
أو غير مسلمة والحاصل أن من يؤونه الإنسان يمونه من يعوله الإنسان من يصرف عليه سواء كان أبنائه أو زوجته أو أمه او آباه أو إمرأة أجنبية أو أجنبي إذا كان ضمن عياله بهذا المعنى فإنه يجب عليه أن يدفع عنهم فطرتهم هذا رأي الإمامية وهذا أيضاً رأي المذاهب الثلاثة الحنابلة والشافعية والمالكية نفس الحكم عندهم واختلف عنهم الحنفية الأحناف اختلفوا عن الإمامية وعن المذاهب الثلاثة بأن جعلوا المدار ليس على المؤونة والعيال وإنما ....
